بدأت موجة المد الاحتجاجي الدولي علي اسرائيل بسبب عملية أسطول الحرية تنحسر دون تحقيق نتائج سياسية مهمة بالنسبة للشعب الفلسطيني ، ربما يرضي المجتمع الدولي بفتح المعابر جزئيا أمام مزيد من السلع الواردة الي قطاع غزة سواء كانت سلعا استراتيجية أو استهلاكية ، ربما يعتبر ذلك رفعا أو تخفيفا للحصار، لكن المهم هو هل هذا ما يريده الشعب الفلسطيني ؟ وهل هذا ما يرضي قياداته ؟ النتائج السياسية من وجهة نظرنا ليست اشباع البطون وتوفير المساعدات الانسانية وتسهيل عبورها لنقاط الحدود التي تتحكم فيها اسرائيل ، لكن المهم هو تأثير الأحداث وتداعياتها علي الحلم الفلسطيني القومي بالتحرر أولا من الاحتلال الاسرائيلي ثم اقامة الدولة الفلسطينية التي يعيش فيها المواطن محترما في بلده يجد فرصة عمل في اقتصاد واعد ولا يقتات من المعونات والمساعدات . العاصفة الدعائية التي طالبت برفع الحصار عن غزة قابلها تحديد لمفهوم ومعني رفع الحصار من جانب اسرائيل والولايات المتحدة بل ومعظم الدبلوماسيين الدوليين الذين تعرضوا بالنقد العنيف للسلوك الاسرائيلي في تطبيق الحصار علي القطاع ، من هنا بدت المفارقة واضحة وتبين بعد هدوء العاصفة أن أحدا لم يتحدث عن الحرية لقطاع غزة والدعم لحق الفلسطينيين في اقامة دولة مستقلة محترمة ، وانما انحصر الحديث في نقد وحشية الحصار وعدم انسانيته كنتيجة وحيدة وهزيلة للضجة الدولية . هذا ما يفسر انحسار موجة الاحتجاج الدولي مع اعلان اسرائيل عن اخراج مزيد من السلع من دائرة الحصار لكنها أنذرت الدول والأمم المتحدة ذاتها بأن الحصار البحري لا يزال قائما وحذرت السفن من محاولة اختراق الحصار عنوة ودون اذن من السلطات الاسرائيلية . بينما تواصل مصر فتح معبر رفح الي أجل غير مسمي في الاتجاهين ، وذلك لأول مرة في تاريخ فتح المعبر البري منذ سيطرة حركة حماس علي السلطة في القطاع ، تسربت أنباء مفادها أن مجلس الوزراء الإسرائيلي المصغر في اجتماعه لم يتعرض لمسألة رفع الحصار عن القطاع وانما وافق علي إدخال تسهيلات علي قائمة المنتجات والسلع المسموح بدخولها إلي غزة لتشمل المواد اللازمة لتنفيذ مشروعات ذات طابع مدني وتخضع لرقابة دولية ، الإجراءات الجديدة ستتضمن وضع قائمة سوداء تضم نحو 120 صنفاً من البضائع والمنتجات المحظورة ، فيما سيكون من الممكن إدخال كل البضائع غير المدرجة علي هذه اللائحة . رئيس لجنة تنسيق إدخال البضائع إلي غزة أوضح أن معظم السلع المسموح بدخولها حتي الآن تندرج ضمن السلع الاستهلاكية ، وبين أن عدد السلع الجديدة التي سمحت السلطات الإسرائيلية بدخولها يقدر بنحو مائة سلعة ، الا أن الزيادة في عدد السلع لم تترجم إلي زيادة في معدل عدد الشاحنات المحملة بالبضائع الواردة مما يعني أن أسواق غزة مشبعة بهذه السلع الاستهلاكية. في تقديري أن هذا الموقف الدولي المطالب بالمعونات الانسانية ، المتجاهل لأصل المشكلة وأساسها وهو الحقوق السياسية للشعب الفلسطيني ، يرجع الي أن المجتمع الدولي في مجمله ، الا بعض القوي الاقليمية في الشرق الأوسط ، تعتبر أن الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني هو منظمة التحرير الفلسطينية ، وتتعامل مع حكومة محمود عباس في رام الله باعتبارها صاحبة الحق الشرعي في الحديث السياسي نيابة عن الشعب الفلسطيني ، وأن جهود بعض القوي الاقليمية التي تشجع علي استمرار الانقسام الفلسطيني وتنفق أموالا باهظة من أجل شراء تأييد دولي لحركة حماس لم تنجح في تلك المهمة . الاستثمار السياسي للأحداث لايمكن أن يتحقق بالخداع للنفس قبل الغير ، ومن هنا نقول ان برامج خلط الأوراق بين ما هو انساني وما هو سياسي لا تحقق أية نتائج استراتيجية مثل نزع الشرعية عن السلطة الوطنية واضفائها علي الحركة الانفصالية في غزة ، أو مثل اضفاء الشرعية علي ممثلين متعددين للشعب الفلسطيني . الطريق الي تحقيق أحلام وطموحات الشعب الفلسطيني لن يقف عند محطة الانفصال والانقسام ، لكنه يجب أن يعبرها إلي المصالحة الوطنية التي تستطيع استثمار التعاطف الدولي الانساني مع محنة الشعب الفلسطيني وتحويلها الي زخم سياسي قوي كاسح للأطماع الاسرائيلية في الحق الفلسطيني .