إذا كان الجامع هو المكان الذي يجتمع فيه الناس لعبادة ربهم، ومن ثم يكونون افتراضياً أقرب إلي الملائكة، فلا رفث ولا فسوق، وتكون حقوقهم فيه فوق كل الحقوق.. فإن الجامعة هي ملتقي العقول الظامئة إلي المعرفة، والساعية إلي الأفضل.. وطبيعي أن تكون حقوق الإنسان مقدمة فيها علي ما عداها، فالعلم وعدم احترام حقوق الإنسان لا يجتمعان.. والجامع والجامعة صنوان لا يفترقان. وأمس (الأحد) وقعت جامعة القاهرة، برئاسة الدكتور حسام كامل، علي الاتفاق العالمي للأمم المتحدة الذي ينص علي الالتزام باحترام حقوق الإنسان، ومعايير العمل الدولية، ومكافحة الفساد، والحفاظ علي المعايير البيئية، وذلك في احتفالية كبري حضرها وزير التعليم العالي د. هاني هلال، وممثل الأممالمتحدة المقيم بالقاهرة جيمس رالي. ويثير توقيع جامعة القاهرة كبري الجامعات المصرية علي هذا الاتفاق العالمي عدة دلالات مهمة، منها التطور الكبير الذي طرأ علي طريقة التفكير الجامعي، فلم يعد التعليم قهرياً، ويحتاج إلي العصا، وإنما أصبحت العملية التعليمية كلها عملية إنسانية، الإنسان فيها هو البطل الحقيقي، ومن ثم فإن التركيز علي اهتماماته، وصيانة حقوقه، وتحسين البيئة الإنسانية التي يعيش فيها جميع أطراف العملية التعليمية، يعتبر من صميم العملية العلمية في إطارها الإداري الجديد.. وإن العقلية التي تدير الجامعة الآن وهو ما سجلته وثائقياً، التي تتضمن استراتيجية التطوير في الخمس سنوات الماضية أصبحت تؤمن بفكرة المسارات المتعددة والمتوازية.. ففي حين تبذل جامعة القاهرة جهوداً كبيرة، ستؤتي ثمارها قريباً، فقد بدأت تباشيرها في الظهور، في إصلاح العملية التعليمية ذاتها، وفي زيادة النشر الدولي، وفي تحسين موقع الجامعة بين جامعات العالم، وفي الارتقاء علمياً ومهنياً بأعضاء هيئة التدريس فيها، في هذا الوقت نفسه، تبذل الجامعة جهوداً كبيرة للالتحاق بالركب الإنساني، مطبقة الاتفاق العالمي لحقوق الإنسان. وفي رأيي، فإن مجرد التفكير في تطبيق هذا الاتفاق العالمي هو خطوة إيجابية، وإذا صاحب هذا التفكير اتخاذ خطوات عملية وعلي أرض الواقع لتطبيقه، فإن الموضوع يتحول إلي إنجاز حقيقي يتم تحقيقه في جامعة القاهرة.. ولقد بدأت جامعة القاهرة، منذ فترة، في تطبيق هذا الاتفاق وفي العمل علي تفعيله في رحابها.. وكان احتفال الأمس إعلاناً عن تمام استعداد جامعة القاهرة، وعلي تطبيقها الكامل لهذا الاتفاق. وأما الذين لا يعجبهم العجب، ولا توقيع الاتفاقية في شهر رجب الذي نعيش في رحابه، فإن ما يجب أن نذكرهم به هو أن تعبيرهم عن حالة عدم الرضا هو في حد ذاته نوع من حقوق الإنسان يتمتعون به، كما تتمتع إدارة الجامعة بالقدرة علي التعامل مع تعدد الآراء سلبية كانت أو إيجابية من خلال حوار مفتوح في الداخل والخارج. إن جامعة القاهرة أصبحت الآن منبراً لكل وجهات النظر والرؤي البناءة، لأنها تضع عينيها علي المستقبل غير مكتفية بالحاضر الزاهر أو الماضي العريق.