من الروايات التي يستند عليها شيوخ التيارات الدينية في تحريمهم لمصافحة المرأة ما رواه البخاري (251/13 فتح الباري) عن عائشة قالت: كان النبي صلي الله عليه وسلم يبايع النساء بالكلام بهذه الآية {لا يشركن بالله شيئاً} قالت: وما مسَّت يدُ رسول الله صلي الله عليه وسلم يدَ امرأة إلا امرأة يملكها". وقد سبق أن بينا معني المس في المقال السابق. وكذلك من الروايات التي يستندون إليها ما رواه أحمد (401/6) والترمذي (151/4) عن أميمة بنت رقيقة قالت: "أتيت رسول الله صلي الله عليه وسلم في نساء نبايعه، فأخذ علينا ما في القرآن أن لا نشرك بالله شيئاً الآية قال: فيما استطعتن وأطعتن، قلنا: الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا، قلنا: يا رسول الله ألا تصافحنا؟ قال: إني لا أصافح النساء إنَّما قولي لامرأة واحدة كقولي لمائة امرأة". قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح انتهي. وقال ابن كثير في تفسيره (450/4) هذا إسناد صحيح انتهي. في الروايتين السابقتين إخبار عن الرسول محمد عليه الصلاة والسلام أنه كان لا يصافح النساء، وهذا يدل علي أنه شأن خاص به عليه الصلاة والسلام وليس فيه أي إلزام أو تشريع للأمة، أما شيوخ التيارات الدينية فيرون أن في هذه الروايات دلالة علي حرمة مصافحة النساء اقتداء برسول الله صلي الله عليه وسلم، وللرد عليهم نقول: إن ما ورد في الروايتين دلالة علي أن هذا الأمر خاص به عليه الصلاة والسلام، حيث لم يرد في الروايتين ولا في أي رواية أخري أي تحريم أو نهي صريح للأمة عن مصافحة النساء. إذ هناك كثير من الروايات والأحاديث في أمور أخري بها كثير من التكاليف والخصوصيات التي اختص بها النبي محمد عليه الصلاة والسلام نفسه دون أمته ومنها الوصال في الصوم. ففي البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة: (نهي رسول الله صلي الله عليه وسلم عن الوصال. فقال رجل من المسلمين إنك يا رسول الله تواصل فقال رسول الله وأيكم مثلي إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني). ثم كيف تكون مصافحة النساء حراما ويسكت عنها الرسول ولا يذكرها في حديث واحد بتحريم أو نهي للأمة؟؟. وكذلك من الروايات التي استندوا إليها في تحريم مصافحة المرأة ما أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (كتب علي ابن آدم نصيبه من الزني، مدرك ذلك لا محالة، فالعينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخُطَي والقلب يهوي ويتمني ويصدق ذلك الفرج ويكذبه). رواه مسلم. هذه الرواية تتحدث عن الزني لا عن المصافحة، ولكن أي زني؟؟ إنها تتحدث عن الزني الكاذب الذي لا إثم فيه ولا حرمة له، وهو ما يكون بالعين والأذن واللسان واليد والرجل، وتتحدث عن الزني الصادق الذي يصدقه الفرج، فبالقراءة المتأنية للرواية نري أنها تنص علي نصيب ابن آدم من الزني الكاذب بدليل قوله عليه السلام في نهاية الحديث: (ويصدق ذلك الفرج ويكذبه)، أي كل هذا لو حدث معه لقاء حقيقي وتمت المواقعة الحقيقية فكل ما سبق يعد من الزني الصادق، أما إن لم يحدث مواقعة حقيقية فكل ما سبق هو من الزني الكاذب لعدم تصديق الفرج له، وبالتالي فكل نظرة بشهوة هي نصيب من الزني الكاذب، وكل استماع بشهوة هو نصيب من الزني الكاذب، وكل كلام بشهوة هو نصيب من الزني الكاذب، وكل بطش باليد بشهوة هو نصيب من الزني الكاذب، وكل خطوة إلي شهوة هو نصيب من الزني الكاذب، وكل قلب يهوي ويتمني بشهوة هو نصيب من الزني الكاذب، وما لم يصل الأمر إلي المباشرة الحقيقية بتصديق الفرج علي كل ذلك فهو من الزني الكاذب الذي كتب علي ابن آدم نصيب منه، أما لو وصل الأمر إلي الفرج وتم الوقاع فكل ما سبق يتحول إلي زني صادق حقيقي محرم علي كل مؤمن ومؤمنة كما قال عليه الصلاة والسلام: (ويصدق ذلك الفرج ويكذبه).