ربما كانت الساعة الثامنة صباحا في لندن منذ حوالي أكثر من أربعين عاماً عندما صحوت علي غير العادة لأشاهد مقابلات تليفزيونية لمحطة الإذاعة والتليفزيون البريطانية الشهيرة BBC مع عالم الرياضيات والفيلسوف المفكر الفذ اللورد برتراند راسل.. كان راسل وقتها يناهز التسعين عاماً ولكن كان عقله عقل شاب عبقري في سن السابعة والعشرين علي الأكثر، لا أعرف ماذا قال المحاور له ولكن راسل أجاب: إن القوة تفسد وأن القوة المطلقة تفسد مطلقا، هذه الحكمة الإنجليزية المشهورة من فم برتراند راسل كان لها موقع آخر في نفسي وفي عقلي.. عندما أتذكر قول راسل هذا أري في مخيلتي الإمبراطوريات تنهار الواحدة تلو الأخري، فها هي روما تنهار وقبلها إمبراطورية الإسكندر وبعدهما العرب في الأندلس وأخيراً إمبراطورية العجوز الشمطاء التي احتلت الهند والصين مئات السنين، كان الإنجليز يعاملون الهنود والصينيين كالمواشي، انظر الآن ها هي الصين دولة عظمي إذا أرادت محت بريطانيا من علي خريطة العالم.. من كان يصدق ذلك؟! انظر كيف ذهب بوش الابن إلي صفيحة قمامة التاريخ وتولي ابن أحد الأفارقة المهاجرين رئاسة أكبر وأغني دولة في العالم حاليا والبقية تأتي. العالم كله يتعلم ويتعظ من انهيار الفاشية في إيطاليا والنازية في ألمانيا والشيوعية في روسيا والرأسمالية المتطرفة في أمريكا، إلا إسرائيل. إسرائيل لا تتعلم ولا تتعظ ولا حتي بتاريخ اليهود المأساوي علي يد مجرمي الإنسانية قبل وخلال الحرب العالمية الثانية.. ماذا تعلم الصهاينة من درس جتوا وارسو؟ إذا نظرنا إلي ما تفعله إسرائيل في غزة لفهمنا أنها أبشع من جتوا وارسو ولم يكفهم ذلك بل وجهوا جهودهم إلي أعمال البلطجة والقرصنة في المياه الدولية ضد مؤسسات وهيئات عالمية للإغاثة. القوة تفسد والقوة المطلقة تفسد مطلقا: أعتقد أن الدولة الإسرائيلية الحالية في طريقها إلي الفساد المطلق وبالتالي إلي الزوال لتحل محلها دولة مثل جنوب أفريقيا تتعايش فيها كل الأديان وكل الأعراق في سلام وعدل ودون غرور القوة.