بغض النظر عن تفاصيل الدعوي القضائية التي يمثل بموجبها، رئيس تحرير صحيفة صوت الأمة وائل الإبراشي، وبغض النظر عن شخصه أيضا، وشخص من اشتكاه - وهو وزير المالية الدكتور يوسف بطرس غالي - فإن هذه القضية تعيد فتح ملف العقوبات السالبة للحريات في قضايا النشر. ولسنا بحاجة للكثير من الشواهد للتدليل علي أن وسائل الإعلام المختلفة في مصر قد أذنبت في حق نفسها قبل الناس، باستخدام حرية الصحافة، في القذف والتشهير وتصفية حسابات سياسية، أو خلافات بين بعض رجال الأعمال، بل إن بعض الصحفيين ومقدمي البرامج استغلوها لصالح منافع شخصية قد تصل إلي حد الابتزاز، لكن بقاء عقوبة الحبس في قضايا النشر في القانون أمر يجب إلغاؤه. و لا نبتكر جديدا في هذا الشأن فقد ألغت معظم دول العالم تقريبا عقوبة الحبس في قضايا النشر، لكنها شددت العقوبات والغرامات المالية، ويكفي أي شخص تعرض للإساءة من وسيلة إعلامية اللجوء إلي القضاء للحصول علي تعويض مادي وأدبي قد يصل إلي عدة ملايين من الدولارات ويلزم الصحيفة بنشر اعتذار في صفحتها الأولي عما ارتكبته من خطأ. ولأن مثل هذه القضايا مكلفة جدا، وقد يؤدي تكرارها إلي إفلاس الصحيفة أو محطة التليفزيون التي تبث خبرا غير صادق، فقد عينت جميع الصحف ومحطات التليفزيون في العالم مستشارين قضائيين، تنحصر مهامهم ليس في الدفاع عن العاملين بمؤسساتهم، وإنما مراجعة كل ما ينشر أو يذاع مراجعة قانونية دقيقة جدا لتجنب الغرامات المالية، واضطرار الوسيلة الإعلامية إلي نشر اعتذار قاس في صفحتها الأولي. في مصر لا نريد اختراع العجلة، فقط علينا تطبيق ما سبقنا إليه الآخرون، وهو ما أدي إلي تراجع قضايا النشر بشكل كبير جدا، بينما استمرار عقوبة الحبس في القانون، حتي لو لم يتم تطبيقها، لا يمنع التجاوزات، وقد رأينا في الخمس سنوات الماضية تجاوزات إعلامية غير مسبوقة في تاريخ مصر، وفي الوقت نفسه حولت بعض هذه القضايا صحفيين إلي مناضلين وهميين، لدرجة أن صدور حكم بالحبس علي صحفي أصبح وسيلة للاسترزاق، تضاف إلي سيرته الذاتية، ويصبح مطلوبا في الفضائيات بمقابل مالي ضخم. والأهم من ذلك أيضا أن إحالة صحفي إلي المحاكمة وفقا لقانون تتضمن بنوده عقوبة الحبس، يفتح شهية الصحافة الأجنبية ومنظمات حقوق الصحفيين وحقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم للحديث عن المآسي التي يعيشها الصحفيون في مصر، والتي قد تؤدي إلي حبسهم.. رغم أن حرية الصحافة في مصر تجاوزت الحرية إلي الانفلات، ورغم أن عقوبة الحبس لا تطبق علي الصحفيين في مصر، ورغم أن ما نعيشه من حرية صحفية قد لا تسمح به الدول التي تنتمي إليها تلك المنظمات الأجنبية التي تجدها ذريعة للتدخل في شئوننا الداخلية.. نعم لإلغاء حبس الصحفيين.. نعم لتشديد الغرامات والعقوبات المالية.