للأديب الفرنسي الشهير لافونتين (La Fontaine) قصة قديمة شهيرة عن قيمة العمل في حياة الإنسان.. وهي قصة النملة والصرصور التي ظهرت في أشكال عديدة منها كرتون ديزني للأطفال.. ولكن مؤخرا صدرت نسخة جديدة للقصة تملأ الإنترنت بالإنجليزية والعربية، وتقول نسخة 2010: كان يا ما كان في قديم الزمان كان هناك نملة وصرصور وكانا صديقين حميمين.. وفي الخريف، كانت النملة الصغيرة تعمل دون توقف، تجمع الطعام وتخزّنه للشتاء، ولم تكن تتمتّع بالشمس، ولا بالنسيم العليل للأمسيات الهادئة، ولا بالأحاديث بين الأصدقاء وهم يتلذذون بتناول المشروبات المثلجة بعد يوم كد وتعب. وفي الوقت نفسه، كان الصرصور يحتفل مع أصدقائه في حانات المدينة، يغني ويرقص ويتمتّع بالطقس الجميل، ولا يكترث للشتاء الذي أوشك علي الحلول.. وحين أصبح الطقس بارداً جدا، كانت النملة منهكة من عملها، فاختبأت في بيتها المتواضع المملوء بالمؤن حتي السقف.. وما كادت تغلق الباب حتي سمعت أحداً يناديها من الخارج.. ولما فتحت الباب، دُهشت إذ رأت صديقها الصرصور يركب سيارة (فرّاري) ويلبس معطفاً غالياً من الفراء.. قال لها الصرصور: صباح الخير يا صديقتي! سوف أقضي الشتاء في باريس، هل تستطيعين، لو سمحتِ، بأن تنتبهي لبيتي؟ أجابته النملة: طبعاً، لا مشكلة لدي، ولكن قل لي ما الذي حدث؟ من أين وجدت المال لتذهب إلي باريس ولتشتري هذه (الفراري) الرائعة وهذا المعطف؟ أجابها الصرصور: تصوري أنني كنت أغني في الحانة الأسبوع الماضي، فأتي منتج وأعجبه صوتي.. ووقعت معه عقدا لحفلات في باريس.. آه، كدت أنسي. هل تريدين شيئا من باريس؟ أجابت النملة: نعم.. إذا رأيت الكاتب الفرنسي لافونتين هناك، قل له: (صديقتي النملة تسلم عليك وتقول لك: أنت السبب، لن أسامحك أبدا).. وتقول العبرة في النسخة الجديدة من القصة: تمتع بالحياة، وأوجد التوازن اللائق بين العمل والراحة، لأن الفائدة من العمل المبالغ فيه لا توجد إلا في قصص لافونتين.. وتذكر أن العيش من أجل العمل فقط لا يفيد إلا رأسمال صاحب العمل الذي تعمل عنده.. قد يهاجم البعض النسخة الجديدة من القصة باعتبار أنها ضد العمل وأنها تحرف القصة الأصلية للافونتين.. كما أن البعض قد يري فيها دعوة للتواكل والاعتماد علي الحظ.. وبخاصة أن القصة الأصلية للافونتين تنتهي بحلول الشتاء والنملة تجلس متدثرة بالثياب الثقيلة، ومدفأتها مشتعلة وطعامها يملأ البيت وهي مستريحة بعد عنائها.. وفي الوقت نفسه يسير الصرصور وسط الثلوج وملابسه الخفيفة لا تقيه البرد القارس وهو يتضور جوعا حتي يقتله الصقيع. ولكنني أري في القصة الجديدة عبرة جديدة في عصر صرنا فيه نعمل دون توقف ولا نعرف كيف نستمتع حتي بما نجنيه من عملنا.. كما أري أن الحظ يأتي للبعض بالفعل، وقد يمنح الصراصير فرصا لا يحصل عليها الذين يعملون بجد واجتهاد.. وهذه حقيقة لا ينبغي أن تؤثر علي نفسية المجتهدين ولكنهم يجب أن يعرفوا بوجودها حتي لا تصيبهم الصدمة.. ولابد أن يرضي النمل بأقدارهم دون أن يقارنوا أنفسهم بالصراصير.. ولكنهم ينبغي أن يستمتعوا بالحياة لأنهم سيكتشفون أنهم ضيعوا حياتهم هباء ولكن بعد فوات الأوان..