سوف يندهش كثيرون حين أقول الآن أنني لم أشعر بأي مفاجأة عندما فاز الدكتور السيد البدوي برئاسة حزب الوفد في معركة الجمعة الماضية التي جرت وقائعها في أجواء سياسية ساخنة للغاية نعم ولكنها اتسمت بالشرف والشفافية رغم محاولات «الثعالب الصغيرة» في الخفاء لإفساد هذا العرس الانتخابي!. أبدًا، لم أكن متشككًا في أن الدكتور البدوي سوف يفوز وينتصر علي غريمه الدكتور محمود أباظة وينتزع منه كرسي رئاسة الوفد بالانتخاب الحر النزيه بعد مرور أربع سنوات عجاف في مشوار حزب الوفد.. ولعلنا لا ننسي هنا معارك دموية دارت رحاها علي عتبات وأسوار مقر الحزب بالدقي ما بين أنصار الدكتور نعمان جمعة رئيس الوفد الأسبق وأنصار الدكتور محمود أباظة رئيس الحزب الذي حسمت معركة الجمعة الماضية مستقبله السياسي ليختفي من المشهد الوفدي.. ربما إلي حين! مرة أخري أقول أن هذا الفوز الكبير والمستحق لم يفاجئني.. لماذا؟!.. هناك أسباب عديدة ومختلفة. بعضها يتصل بالدكتور البدوي وبعضها الآخر بالدكتور محمود أباظة. فاز الدكتور البدوي لأنه كان حصيفًا وذكيا ولعيبًا سياسيا محترفًا «فشر أبوتريكة» لأنه بينما كانت كل الأنظار مصوبة تجاه فؤاد بدراوي حفيد الباشا فؤاد سراج الدين كمرشح وحيد ومنافس عنيد وعتيد لأباظة.. ظل البدوي في مكمنه حتي ما قبل أيام قليلة من بدء الترشيح حتي فوجئ أباظة ومنير فخري عبدالنور وأنصارهما بأن البدوي - وليس حفيد الباشا - هو المنافس.. وهذا ما لم يكن أبدًا ضمن حساباتهم الخاطئة وتوقعاتهم القاصرة.. ألم أقل لكم فشر أبوتريكة؟!. فاز الدكتور البدوي لأنه كان حصيفًا ذكيا درس بدقة وعناية مع معديه ومناصريه أخطاء وخطايا غريمه سواء داخل أسوار الحزب أو خارج أبوابه.. ووضع يديه علي كل تلك الخطايا.. المعروف منها.. والمسكوت عنها.. مد الجسور مع لجان الوفد في المحافظات في حين كانت تلك اللجان تشعر كل يوم خلال السنوات الأربع الأخيرة بأنها «مجنبة» و«مهمشة».. وتتعامل معها قيادة الحزب من عل.. وباستعلاء!. فاز البدوي لأنه كان يري وبكل الثقة أن الوفد أكبر وأقوي من أن يضطر إلي التحالف سرًا أو علنًا مع الإخوان.. ولم يكن يري ما رآه أباظة من أن هذا التحالف سوي يقوي حزب الوفد.. ومن البدية كان موقف «المرشح» لرئاسة الوفد واضحًا ومحددًا في هذا الشأن «لا تحالف انتخابيا مع الإخوان».. ولم يكن ما قاله المرشح مختلفًا عما قاله في حوار صحفي بعد أن أصبح رئيسًا للحزب حيث كان رافضًا أن يركب الإخوان، عربة الوفد! فاز البدوي لأنه كان يرصد «حزينًا» ما آل إليه أمر الحزب الذي صار ضعيفًا في سنواته العشر الأخيرة.. في داخله وبين أصدقائه الخلص كان الرجل يقول: ليس هذا هو الحزب القوي الذي كان يتزعمه الباشا فؤاد سراج الدين وتعمل له الأحزاب الأخري ألف حساب! فاز البدوي لأنه قبل أن يعلن ترشحه وطيلة الأيام القليلة التي سبقت معركة الجمعة الماضية كان صريحًا إلي أقصي الحدود عندما قال علنًا لرموز الوفد وقياداته المنسية في المحافظات إنه يرفض انسياق وانشغال بعض قيادات الهيئة العليا للحزب في رئاسة جمعيات حقوقية تتلقي تمويلات خارجية بما يخلط الأوراق ويسيء لسمعة الحزب ونزاهته.. وحين عبر الرجل عن انزعاجه الشديد بما كان يحدث من خلط بين ومكشوف بين أعمال هذه الجمعيات الممولة خارجيا وبين العمل داخل الحزب.. كسب الدكتور البدوي الجولة من أول لحظة لأن الكثيرين من قيادات الوفد ورموزه كانت معارضة لهذا التوجه الذي سارت فيه للأسف وشجعته رموز وفدية كانت تلقي تأييدًا أو مؤازرة من جانب قيادات الوفد الثنائية أباظة الرئيس ومنير فخري السكرتير العام! فاز البدوي لأن برنامجه السياسي للترشح كان يستند إلي قناعات حقيقية لا وهمية.. لدي تيار قوي داخل الحزب كان يطالب علنًا وليس في السر بأن يسترد الوفد عافيته وينهض بقوة من حالة السبات السياسي التي أدخله فيها ما جري في سنوات الحزب العشر الأخيرة.. وبالأخص الأربع الأخيرة التي تلت المعارك الطاحنة التي دخلها الحزب دون رغبة أغلب أعضائه ولكن تحت رغبات الزعامة والسلطة الجامحة ما بين الدكتور نعمان وخلفه الدكتور أباظة!. فاز البدوي لأن أكثر الوفديين «أكبروا» فيه عزوفه عن دخول معارك الحزب الرخيصة لابتعاده عن المشهد الوفدي إثر الانقلاب الذي دبره ضده أباظة ومنير قبل أربع سنوات بحيث استتب الأمر لكليهما.. وآثر البدوي الانزواء وتفرغ - مجبرًا - لبيزنسه الناجح في صناعة الدواء والإعلام.. بعد أن تم خلعه بدهاء وخبث سياسي من منصب سكرتير عام الحزب الذي كان يشغله إبان رئاسة الدكتور نعمان للحزب. أسباب كثيرة جعلت الدكتور البدوي يفوز بلقب الرئيس السادس للوفد بعد مؤسسه سعد باشا زغلول والنحاس باشا وفؤاد باشا والدكتور نعمان وأباظة.. ولكن علي الوجه الآخر استطيع أن أقول أن الدكتور أباظة قدم بأخطائه وخطاياه للدكتور سيد البدوي حزب الوفد علي طبق من ذهب.. من الذي كان يتصور وينتظر أن يؤيد نواب الوفد محمد شردي وطارق سباق شخصًا آخر غير رئيس حزبهما أباظة؟! من الذي كان يتصور أن تحسم لجان الحزب بالمحافظات المعركة لغير صالح رئيس الحزب الذي يدير الأمور؟! لقد استفاد البدوي من خطايا وأخطاء غريمه أباظة.. ويبقي السؤال الحائر: من سيكون السكيرتير المقبل للحزب منير فخري.. أم فؤاد بدراوي؟.. وهل سوف يستمر أباظة رئيسا للهيئة البرلمانية لحزب الوفد لحين فض الدورة البرلمانية الحالية؟! سوف نري في قادم الأيام ماذا سيفعل رئيس الوفد الجديد.. ونتمني ألا يخطئ الطريق الذي يترقبه أغلب الوفديين.. نقول نتمني!