ما جري ويجري داخل حزب الوفد جدير بالتفكر والتدبر، انتخابات ديمقراطية وشفافة علي رئاسة الحزب جرت قبل يومين، ليس مهماً من فاز بها، فأنا أكتب هذه الكلمات قبل بدء عمليات التصويت، لكن المناخ الذي سبق الانتخابات علي مدي الأسابيع والأء والأشهر الماضية يضع الناس في حيرة، أين كان قادة وزعماء حزب الوفد حين انقسم الحزب علي نفسه، حين اشتعلت النيران في جدرانه، حين دوت طلقات النار خارج أسواره؟؟ كان «الوفد» في أسوأ حالاته.. انهارت شعبيته المحدودة رغم كونه أكبر أحزاب المعارضة. قيل وقتها إن الدولة بصنائعها وحيلها التي لا تنتهي وقفت خلف ما حدث، استغلت حالة الاستياء من زعيم الوفد السابق الدكتور نعمان جمعة لخسارته المجلجلة وتقدم أيمن نور عليه في انتخابات الرئاسة الماضية، وأن الدولة لم تنس خروج نعمان جمعة عن الحدود المسموح بها خلال الحملة الانتخابية فأرادت أن تلقنه درساً، وتبقي في الوقت ذاته علي علاقات قوية مع مَن تمردوا عليه، فالأحزاب السياسية في مصر بنهاية المطاف جزء حيوي من ديكور الديمقراطية المزعومة. مرت السنوات بسرعة وعاد الدكتور السيد البدوي - أمين عام الحزب - خلال رئاسة نعمان جمعة للمنافسة علي رئاسة الحزب، لكن الطرفين المتصارعين السيد البدوي ومحمود أباظة قدما مفاجأة من العيار الثقيل، تنافسا بشرف وأمانة.. بنزاهة وشفافية.. بموضوعية وحيادية.. والأهم من ذلك.. بأدب ودماثة خلق. لم نسمع خلال حملتهما الانتخابية ما ألفناه من تجريح واتهامات بالعمالة والتواطؤ والتآمر.. كانت هناك رؤي متباينة .. احترام متبادل.. حرص طاغ للحفاظ علي تماسك الحزب وتاريخه العريق، شهد الجميع للطرفين تقديمهما نموذجا يحتذي لباقي الأحزاب السياسية المصرية.. تابعنا مناظرات لم نعهدها إلا في متابعاتنا للانتخابات الأمريكية والبريطانية والفرنسية. لكن السؤال المحير الآن لا يتمحور حول أسباب التغير المفاجئ في سلوك ومنهجية القيادات الحزبية الوفدية بعد عقود طويلة سيطر فيها فؤاد سراج الدين ومن بعده نعمان جمعة علي مقاليد الأمور، وإنما حول إمكانية عودة الحزب لصدارة المشهد السياسي مرة أخري ليقود المعارضة ولينافس الحزب الوطني الحاكم في الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة. أزعم أن هذا ليس بالأمر العسير، وما شهدناه من منافسات محترمة تُحسب للقيادة الحالية وللسكرتير العام السابق يؤشر بتعاون وثيق علي قيادة مشتركة للحزب في المرحلة المقبلة، وهو أمر يرغبه الجميع سواء داخل الحزب أو خارجه. غير أن الرهان الأخطر يتعلق بكيفية إدارة الحزب وإعداده للانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلتين، فقد تضررت سمعة الحزب بما تردد عن صفقات انتخابية مع الحزب الوطني سواء كان ذلك صحيحا أم لا، وما يثير هواجس كثيرة كون قيادات الحزب المتنافسة من فئة رجال الأعمال التي يسعي أصحابها للحفاظ علي مصالحهم في ظل دولة تمسك بخيوط كل شيء. فهل سيستطيع القائد الجديد في الحزب إقناع المجتمع بأن الوفد قادر علي الإفلات من قبضة الدولة؟ وهل هو مستعد أن يفوز بعشرة أو خمسة عشر مقعداً بشرف ونزاهة في مجلس الشعب علي أن يفوز بثلاثين بمنحة من الدولة؟ وما حقيقة رغبة القيادة الجديدة في خوض غمار معركة انتخابات الرئاسة رغم علم الجميع بأن الحزب سيخسرها بسبب القيود الهائلة المعطلة للآليات الديمقراطية السليمة. أسئلة كثيرة تنتظر الفارس الوفدي الجديد، أسئلة ملغومة لكنها محتومة وعليه ليس فقط الإجابة وإنما تقديم ممارسة ديمقراطية تتناسب مع الصورة الوردية التي قدمها في معركته الانتخابية الأخيرة.