عرفت الدكتور السيد البدوي عن قرب بمناسبة الانتخابات البرلمانية الماضية عام 2006، كان يقوم بتلك المناسبة بمهام التنسيق بين أحزاب المعارضة في اختيار المرشحين بالدوائر المختلفة علي مستوي الجمهورية باعتباره سكرتير عام حزب الوفد آنذاك , وللوهلة الأولي اكتشفت معدن هذا الرجل وتلاقينا في صفات مشتركة كثيرة , فقد أسرتني لغة الرجل وطريقته في التعبير عن أفكاره , فهي طريقة مهذبة راقية واضحة المعالم تنبئ عن مراميها بسهولة ويسر , ودون تقعر أو فلسفة , وأيضا من غير تخوين أو اتهامات في الوطنية أو الاعتبار وتلك مهمة أو طريقة لا يقدر عليها أي أحد , فالبعض يتصور أن علو الصوت والتشويش والغلوشة أقرب الطرق لبلوغ الأماني، وإقناع السامعين وهي طريقة بالية في عالم الساسة والسياسة , كثيرون مازالوا يمارسون السياسة بطريقة التخوين والضرب تحت الحزام وتمزيق ملابس خصومهم وإظهار سوأتهم!! رغم أن النهي دائما في السنة المطهرة والشرائع السماوية كلها عن تتبع العورات أو الفحش والتفحش في القول أو الكلام البذيء. لم أكن وفديا يوما غير أني من أسرة وفدية، ولكني مثل كثير من المصريين نري فيه امتداداً لتاريخ لم نحضره وهو دون غيره من الأحزاب القائمة له أصل ونسب، لذلك أتابع ما يجري فيه بكثب واهتمام. تابعت تحرك الإصلاحيين باعتبار أننا في مصر نتوق إلي التغيير تجري في عروقنا دماء عازمة علي انتزاع حقوقنا، عندما قاد محمود أباظة ومن معه حركة تغيير وإصلاح واجتمعوا في حضور نعمان وقرروا بالأغلبية رفض قراره بفصل منير فخري وألزموه بتعديلات إصلاحية وتعديل لائحي يحد من سلطات رئيس الحزب وتحديد مدة انتخابه ونعمان لا يستجيب بل يسير في اتجاه مضاد، ثم حدث ما حدث علي النحو الذي تابعناه وانتهي إلي تولي المستشار مصطفي الطويل رئاسة الوفد بصفة مؤقتة وأجريت انتخابات أسفرت عن تولي أباظة رئاسة الوفد , وكانت المفاجأة المدوية وهي فقدان السيد البدوي منصبه كسكرتير عام الوفد، بل وبذل قياديون بالحزب محاولات مضنية لمنع حصول الرجل علي ترتيب متقدم إلا أنه حصل علي المركز الثامن، كانت الخطوة مؤلمة لا شك وقد أخلفت في جوف البدوي ومحبيه مرارة شديدة كالعلقم، لكن الرجل لم ينقلب علي عقبيه مثلما يفعله كثيرون في مواقف مشابهة، استمر في مكانه بالهيئة العليا وهي أعلي سلطة إدارية قيادية بالوفد وتابع مسيرته بهدوء وسكينة وكان تصريحه إثر تلك المعركة «سأبقي في خدمة الوفد كعضو قيادي بالهيئة العليا». كان مشهد الجمعية العمومية الأخيرة داخل الوفد مهيبا وكانت الإرهاصات في الأيام التي سبقت انعقادها تنبئ عن تغيير قادم، كانت خطوات السيد البدوي في تحركاته وتنقلاته وجولاته بالمحافظات مؤثرة نجحت في استقطاب دوائر مترددة داخل الوفد. لا شك أن قرار فؤاد بدراوي بالتنازل كان بمثابة شرارة في اتجاه دعم جهود الوفديين نحو ممارسة حقوقهم الديمقراطية الكامنة في اختيار زعيم جديد للوفد. ولو تابعنا تصريحات الرجل طيلة فترة الدعاية التي سبقت الانتخابات سنكتشف شيئا غريبا علي الحياة السياسية الحزبية المصرية , فلم يتهم البدوي أباظة اتهامات خارجة تنال من اعتباره وشرفه، حتي ما أثاره بعض خصوم أباظة من تورطه في تنامي تيار داخل الوفد يتربح من العمل الحقوقي عبر الدعم الامريكي من المعونة المخصصة لإنشاء الجمعيات التي تعمل في مجال حقوق الإنسان ومراقبة الانتخابات، رفض البدوي استخدام هذه اللهجة، كانت مطالباته تنحصر في كيفية نهوض الوفد لمكانته الشعبية التاريخية , وملاحظاته اللائحية علي طرق العمل وإدارة الانتخابات . قال البدوي في المؤتمر الصحفي الذي أقامه وقت تقدمه بأوراق ترشحه «إن الانتخابات المقبلة ستكون أفضل انتخابات في تاريخ الوفد منذ عام 19 وأنها ستجري بين أشقاء وأن التنافس سيكون في إطار الأسرة الواحدة «قال البدوي أيضا» التنافس علي رئاسة الوفد سيكون في إطار قيم تعلمناها علي يد أساتذة كبار قادوا حزب الوفد علي مدي سنواته الطوال وعمره الذي قارب علي المائة عام مؤكداً أن هذه الانتخابات ستكون نموذجاً ومثلاً لجميع الأحزاب السياسية» ومؤكداً أن البدوي والوفد نجحوا في ضرب المثل علي رأس الأشهاد عندما أداروا انتخابات علي قدر كبير من النزاهة والحرية والديمقراطية والشفافية , حتي اللحظة الأخيرة كان كلا الرجلين يجلس وسط مؤيديه منتظرا ما تسفر عنه عملية الاقتراع , وعندما بدا تفوق البدوي لم يشأ أباظة أن يغادر المكان وإنما بقي في مكانه لم يبرحه وكان أول المؤيدين لصديقه البدوي وتشابكت الأيادي وسط هتافات الوفديين كان بوسع محمود أباظة لو أراد أن «يستفي» أوراقه جيدا ولن يعدم المستشارين الذين يتطوعون بتزوير الأوراق والارادات , كان سيجد لو أراد ذلك، لكن يحسب لأباظة وهو الذي قاد عملية التغيير والإصلاح عندما أطاح بالدكتور نعمان جمعة التزامه بإجراء انتخابات حرة ونزيهة حتي لو كانت حساباته كانت ترصد تفوقه بما لا يغني عن التزوير , فدائما الرؤساء يعملون بمنطق التحرز والاطمئنان. يحسب لفؤاد بدراوي ابن الوفد الذي وصل لأرفع مناصب الهيئة العليا في سن صغيرة لم يبلغها قبله أحد تنازله للبدوي وإنكاره لذاته وقيادته مطبخ البدوي الانتخابي. يحسب لمنير فخري وهو سكرتير عام الوفد أيضا عدم لجوئه لأي تدابير غير عادية أثناء الانتخابات أو محاولته السيطرة علي مجرياتها , يحسب له البقاء حتي إعلان الانتخابات وتشابك مع البدوي وأباظة. كان المشهد بحسب ما رأيناه رائعا ملء حدق العين لكل المصريين الذين حرموا من هذه الممارسة علي طول عمرهم منذ عام 52 حتي الآن حتي المشهد الختامي لتلك الانتخابات كان يحقق الطمأنينة ليس للوفديين فحسب بل للشعب المصري وهو يطمئن علي رافد مهم من روافد الحركة الوطنية عندما أكد السيد البدوي. «إن الخطاب السياسي للوفد سوف يتغير وإن من يقرر ذلك هو الهيئة العليا للحزب في حالة نجاحه لأن الوفد مؤسسة وإن ما يميز الوفد عن الأحزاب الأخري هو العنصر البشري الذي سيكون الوحيد الذي سوف يصيغ الخطاب السياسي للوفد مؤكداً إن الوفد لابد أن يعود ويتواصل مع الشارع السياسي في مصر، مستنكراً عدم وجود التواصل بين حزب الوفد والشعب متسائلاً: أين حزب الوفد من الساحة السياسية مؤكداً علي ضرورة تغيير الخطاب السياسي والأساليب التي يتعامل بها الحزب مع الأحداث».