التطور التنظيمي في المجتمع لم يصبح ضرورة مجتمعية تفرض نفسها وفقا لاعتبارات سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية ولكنها أضحت ضرورة مصيرية ترتبط بمصير الوطن، وهناك مؤسسات داخل الدولة تعمل علي تحديد أبعاد هذا التنظيم وتحديد الأسس التي يعتمد عليها في إطار دورها الوظيفي لخدمة المجتمع وتعزيز مكانته علي الصعيد المحلي والإقليمي والدولي، وفي النقاط التالية استعراض لنشأة أبرز التنظيمات في المجتمع وطرح لدورها الحيوي فيه: أولاً: الدولة: نشأت الدولة وفقا لنظرية العقد الاجتماعي لكل من هوبز وجون لوك وجان جاك روسو لوضع حد للحياة البدائية للأفراد ولخوفهم المستمر من تجاه المخاطر الجماعية التي يتعرضون لها والتي لا يستطيع أي منهم مواجهتها بمفرده، وإن اختلفوا في طبيعة دور الدولة تجاه المواطنين من حيث الالتزام بالطاعة وفرض السيادة الكاملة علي جميع تصرفات المواطنين أو في تخلي الأفراد عن بعض من الحقوق والحريات وترك مسألة تنظيمها إلي الدولة، أو تمثيل الدولة لإرادة الشعب وتعبيرها عنها وإرجاع السيادة إلي الشعب، ولكن مع الاختلاف الدائر حول دور الدولة والتزامات الأفراد تجاهها تم الاتفاق علي وظيفتها في الإلزام بتنفيذ أحكام القانون. ثانيًا: الدين: نشأ الدين أيضا في إطار سعي الأفراد إلي التنظيم حيث مثل في بدايته وارتباط الفرد به تعبيرًا بليغا عن إحساس الفرد بالمحيط الكوني الذي له اتساقه وتجانسه وانضباطه، فاعتقد وامن الإنسان بأن هذا التنظيم يكمن وراءه قوة تستحق العبادة وهذا هو (الاتجاه الطبيعي) لفكرة الدين، وقد بزغ اتجاه آخر وهو (الاتجاه الوظيفي) لفكرة الدين يؤكد علي أن الدين له وظيفة اجتماعية يؤديها وتتمثل في تأكيد التماسك والوحدة والتعاون ما بين أفراد المجتمع، ولكن لم تحدد أي من النظريات التي طرحت تمثيل الدين لدور سياسي يقوم به بجانب دوره الوظيفي، وهو ما يمثل إشارة إلي أن الإنسان بطبيعته الفطرية له قناعات راسخة حول دور الدين كمعتقد لصيق بشخصه لم يفرض عليه وإنما لجأ إليه بإرادة حرة وعلي قدر نزعته الفطرية إلي الارتباط به كمكون أخلاقي له دور في إرساء قواعد تتسم بالنبل تلهم السلوك الإنساني وترتقي به. ثالثًا: الأحزاب السياسية: عقب القضاء علي النظام الاقطاعي ونشأة النظام الرأسمالي وبالتحديد في الولاياتالمتحدةالأمريكية ظهرت فكرة الأحزاب السياسية فلم يكن قبل عام 1850 بالمعني الدقيق والمعاصر للأحزاب السياسية وجود في العالم، والأحزاب السياسية لا تعبر عن وجودها كشخصية معنوية منفصلة عن أعضائها ولكنها تعبر عن مصالحهم وإن كانت تهدف إلي الوصول إلي الحكم ولكن دون أن تتحول إلي آلة تستهلك أحلام وآمال وطموحات الأفراد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للوصول إلي هذا الهدف خارج إطار الشرعية التي أنشئت من أجلها. رابعًا: المجتمع المدني: نشأ مفهوم المجتمع المدني في الفكر اليوناني الإغريقي وقد أشار إليه أرسطو باعتباره مجموعة سياسية تخضع إلي القوانين، ثم تطور المفهوم خلال القرن الثامن عشر ومع تطور علاقات الإنتاج الرأسمالية اعتبره البعض مؤسسات تتمثل وظيفتها في الدفاع عن مخاطر الاستبداد السياسي، واعتبرها ماركس ساحة للصراع الطبقي، وعددها جرامشي ساحة للتنافس الأيديولوجي، ولكن يتضح بالأحري دورها في كونها اتجاها بلورته الرأسمالية للمساعدة في مواجهة الصراعات الطبقية يعتمد علي منظمات اجتماعية غير حكومية يمارس فيها الأفراد أنشطة تطوعية لحل مشاكلهم، ولكن علي قدر مساهمة الرأسمالية في وجود المجتمع المدني فمن الضروري ألا توجهه وعليها أن تدعه يدار ذاتيا وعلي الفاعلين فيه أن يظلوا محافظين علي جوهره في كونه داعما للقطاعات الفقيرة والمهمشة وقضايا الاصلاح والمساهمة في إعادة التكيف الاقتصادي والاجتماعي في فترات التغيرات الهيكلية للمجتمعات وذلك في إطار من الشرعية واحترام القانون. ووفقا لفهم طبيعة الأدوار التي تؤديها هذه المؤسسات وبعيدا عن الفوضي التنظيمية التي قد تطرأ عليها في فترات التحول إلي مزيد من الديمقراطية وإطلاق الحريات الفردية فيجدر بنا الالتفاف إلي المصالح الجماعية والمشتركة في الحفاظ علي هذا المجتمع وتعزيز مسئوليات أفراده والتأكيد علي التزامهم تجاهه فإنه وطن يجدر بكل منا الاهتمام به والحرص علي تقدمه.