يختلف الكتاب والصحفيون في بلادنا حول تعريف الديمقراطية وحول تحديد العناصر التي تقاس الديمقراطية علي أساسها، من المؤكد أن هنالك معايير واضحة نستطيع أن نتبين من خلالها أين تقع كل دولة علي خريطة الديمقراطية، لا شك أن الدول الأفريقية والعربية وسائر دول العالم تختلف فيما بينها حول طريقة التعاطي مع هذه المعايير، وهذا ربما يفسر سر تقسيم دول العالم إلي مجموعات، حيث تحتل كل دولة مكانة محددة علي السلم الديمقراطي الذي يتسم بالمرونة بحيث يسمح بتحرك الدول إلي مرتب أعلي كلما حققت تقدما في مراعاة معايير الديمقراطية، والسؤال الذي ننتظر الإجابة عليه هو: هل هنالك معايير واضحة يمكن استخدامها لقياس الديمقراطية في بلد ما؟ وفي الحقيقة فإن هنالك محاولات جادة لتحديد المرتبة التي تحتلها الدول علي سلم الديمقراطية، لقد بادرت صحيفة بريطانية عريقة «الايكونوميست» بإجراء دراسة لقياس الديمقراطية في دول العالم وذلك من خلال خمسة معايير هي العملية الانتخابية والتعددية والحريات المدنية والأداء الحكومي والمشاركة السياسية والثقافة السياسية، الجدير بالذكر أن هذه الدراسة ارتكزت علي فحص حالة الديمقراطية في 167 دولة في عام 2008م. لقد عرجت دراسة «الايكونوميست» لتصنيف دول العالم إلي أربع مجموعات وفقا للنقاط المقررة للمعايير الخمسة: المجموعة الأولي من الدول تسمي ديمقراطيات كاملة «وبلغت نسبتها 30% من الدول» والمجموعة الثانية هي ديمقراطيات ناقصة أو معيبة (29.9%) والمجموعة الثالثة تضم الدول ذات الأنظمة المختلطة 21.6%، أما المجموعة الرابعة فهي دول ذات أنظمة سلطوية (30.5%). من الملاحظ أن عدد دول المجموعة الأولي (الديمقراطية الكاملة) يبلغ 30 دولة حيث تحتل السويد قمة المجموعة تليها النرويج ثم أيسلندا، الغريب أن أمريكا تحتل رقم 18 في هذه المجموعة بينما المملكة المتحدة تحتل رقم 21 وتأتي أسلوفينيا في ذيل الدول الديمقراطية، أما المجموعة الثانية (الديمقراطيات المعيبة أو الناقصة) فعددها 50 دولة ، حيث تأتي جنوب أفريقيا علي رأس هذه المجموعة لتحتل رقم 31 في القائمة العالية تليها تشيلي التي تحتل رقم 31، والمثير للدهشة أن الهند وإسرائيل مصنفتان ضمن دول هذه المجموعة حيث تحتل الهند رقم 35 في القائمة العالمية وإسرائيل رقم38، الجدير بالإشارة أن هذه المجموعة تضم أيضا عدة دول أفريقية منها بتسوانا وبنين التي تحتل ذيل المجموعة. دعنا نفحص المجموعة الثالثة التي تضم 36 دولة ذات أنظمة مختلطة (ديمقراطية - شمولية)، حيث تحتل ألبانيا قمة هذه المجموعة لتحتل المرتبة العالمية رقم 81، الملاحظ أن أفريقيا بها 16 دولة في هذه المجموعة منها مالي ومدغشقر وموزمبيق، أما الدولة العربية في هذه المجموعة فعددها لا يتجاوز ثلاث دول هي فلسطين ولبنان والعراق التي تحتل ذيل المجموعة. أما المجموعة الرابعة وعددها حوالي 51 وهي الدول التي تحتل المرتبة من 117 حتي 167 في القائمة العالمية، وكما هو متوقع فإن معظم دول هذه المجموعة هي في الغالب دول عربية (16 دولة) وأفريقية (20 دولة) حيث تحتل الأردن وموريتانيا ومصر المراكز الثلاثة الأولي في هذه المجموعة مما يشير إلي الخطوات الحثيثة التي تخطوها هذه الدول نحو الديمقراطية، واللافت للنظر أن هذه الدول الثلاث تحتل المراتب العالمية من 117 حتي 119 علي التوالي، المثير للدهشة أن ليبيا التي وصفها بعض المسئولين بأنها «أكثر دولة ديمقراطية في العالم» تحتل مرتبة متأخرة في هذه القائمة، حيث تأتي قبل السعودية التي تحتل المرتبة العالمية رقم 161 من إجمالي 167 دولة. ومما سبق يتبين لنا أن تصنيف الدول وتقسيمها إلي دول ديمقراطية أو غير ديمقراطية ينبغي أن لا يتم من خلال الانطباعات الشخصية بل يجب أن يتم من خلال تطبيق معايير قياسية واضحة المعالم.