عرض: هالة عبدالتواب في ال7 من أبريل 1994، عثر علي فرانسوا دو جروسوفر، رجل الصناعة الفرنسي ومستشار رئيس الجمهورية مقتولا في مكتبه، في قصر الإليزية علي بعد خطوات من مكتب الرئيس فرانسوا ميتران، صديق كفاحه. ولعبت الحوائط المبطنة دورها في حجب صوت رصاصة المسدس التي اطلقها دو جروسوفر علي نفسه، وهو الذي اعتاد علي الأسلحة من بعد أن أوكل إليه الرئيس ميتران مهمة لجنة الصيد الرئاسية بالإضافة إلي العديد من المهام كمبعوث خاص للرئيس ميتران خاصة في الدول العربية والأفريقية، حتي أن الحارس الموجود تحت غرفته لم يسمع ضرب النار واُكتشفت الوفاة بعد عدة ساعات. وبعد أن أثار موته جدلا واسعا دام أشهرا طويلة، جاءت رافايل باكية الصحفية بجريدة لوموند، لتعيد فتح هذه القضية مجددا، في كتابها الذي صدر في أوائل هذا الشهر بعنوان "القتيل الأخير لميتران". وفي الكتاب تؤكد رافايل الرأي القائل بانتحار دو جروسوفر، بعد أن تحدث الكثيرون عن شبهة جنائية تحيط بهذه الوفاة الغامضة، لكن ما هي الأسباب التي دفعت رجل الأعمال الكبير والسياسي رغم أنفه والصديق شديد القرب من الرئيس ميتران وكاتم أسراره، حتي أطلق عليه "وزير الحياة الشخصية لميتران"، إلي الإقدام علي هذا العمل؟ ويذكر الكتاب أن دو جروسوفر ليس الأول من بين رجال ميتران الذي يقدم علي الانتحار أو يتوفي في ظروف غامضة، ففي عام 1993 انتحر بيار بريجوفي، بعد شهر واحد من تركه رئاسة الوزراء عقب حملة من "الاغتيال الإعلامي" والاتهام بالفاسد والرشوة ومن قبله توفي روجير باتريس بيلا رجل الاعمال والصديق المقرب من ميتران عام 1989 مصابا بنوبة قلبية غير واضحة الأسباب بعد شهر أيضا من اتهامه في قضية فساد. وقد لا يكون الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران متورطا بشكل مباشر في وفاة هؤلاء الاصدقاء ، إذ إنه لم تثبت أي شبهة جنائية من الأساس في حالات الوفاة الثلاث، لكن عُرف عنه إنه كان برغم ثقافته وحنكته السياسية ، شخصا لا يعرف معني للصداقة والوفاء حتي انه لم يكن يتردد بالتضحية بأقرب الناس اليه من اجل درء الاخطار المحدقة به، او بموقعه في السلطة. وهو السبب الذي تتبناه الكاتبة أيضا وراء انتحار دو جروسوفر الذي انكشف بعد وفاته العديد من الأسرار الشخصية لميتران كان هو الذي يتولي إخفاءها مثل ابنة مزارين غير الشرعية مزارين بينجو التي أنجبها من عام 1974 من مديرة متحف أورسيه. إلا أن بعض المقربين من هذه القضية يؤكدون أن اكتساب دو جروسوفر الكثير والكثير من الصلاحيات التي لم يكن لها مبرر سوي قربه من الرئيس جعله شخصية مصابة بجنون العظمة وجعلته يتكلم باسم الرئيس مما سبب العديد من المشاكل مع العاملين في قصر الإليزيه وجعل سحب هذه الصلاحيات شيئا فشيئًا يصيبه بالاكتئاب الشديد. لكن يبقي السؤال هل انتحر دو جروسوفر ليتخلص من حياة صعبة لم يكن له فيها الاختيار كثيرا أم ليتخلص من صداقة لم تجلب عليه إلا القلق مع رئيس الفرنسي الاكثر جدلا منذ شارل ديجول؟