حتي لو كانت إيطاليا، مثل فرنسا وألمانيا وإسبانيا، من اكبر القوي الأوروبية المساندة لإسرائيل.. فإن هذا حليف مثالي.. وحين تزور القيادة المصرية روما.. فانها تكون في ضيافة صديق نموذجي. المشاهد المتوالية بدءا من مساء الامس، حين قابل الرئيس مبارك بعيد ساعات من وصوله إلي مطار ليوناردو دافنشي الرئيس الايطالي نابوليتانو.. التي سوف تتكرر اليوم في المباحثات بين الرئيس مبارك ورئيس الوزراء بيرلسكوني.. وحولها في المفاوضات الثنائية بين الوزراء.. وبعدها في التوقيعات المتبادلة علي 24 اتفاقية ومذكرة تفاهم بين البلدين في مختلف المجالات.. هذه المشاهد كلها انما تعبر عن تواصلات مختلفة بين بلدين صديقين حقًا.. القنوات بينهما مفتوحة والحوار بينهما مستمر.. والعلاقة بينهما استراتيجية. الاجتماع الذي يعقد اليوم، هو (الاستراتيجي الثالث) بين البلدين.. بعيد إقرار آلية التشاور الاستراتيجي وتعميق العلاقات بين مصر وإيطاليا في عام 2007 . في عهد رئيس الوزراء الاشتراكي السابق رومانو برودي.. وقد انتقل الأمر إلي غريمه رئيس الوزراء المنتمي إلي يمين الوسط بيرلسكوني.. في الأعوام التالية 2008-2009 . وهانحن نشهد اللقاء الثالث في إطار هذه العلاقة الاستراتيجية الموثقة والمؤسسية في 2010 . (حليف يراعي الاحتياجات الحقيقية لمصر).. هكذا وصف مسئول مصري الشريك الايطالي.. مفرقًا ما بين (الاحتياجات الضرورية والاحتياجات التي تحاول ان تفرضها بعض الدول وفق أجندتها).. قائلاً: إن اتفاقيات التعاون مع إيطاليا يمكن أن ينطبق عليها وصف (تفصيل).. أي تحقق مصالح الطرفين وبدون تزيد.. ومن أجل ما نريده فعلاً. ونلمح في توصيفات المسئول معاني تشير إلي أطراف اخري في دول بعينها تريد أن تفرض ما لديها وفق رؤيتها دون حتي اهتمام بما اذا كنا نحتاج هذا أو لا نريده، إيطاليا المختلفة.. قبلت اتفاقيات لمبادلة الديون الإيطالية علي مصر.. وأقرت الممر الأخضر بين الموانئ المصرية والإيطالية لتصدير المزروعات المصرية المختلفة.. وقدمت تعاونًا فنيًا في مختلف المجالات.. وصولاً حتي إلي البريد.. حيث كان من المقرر أن توقع اتفاقية تعاون اليوم في هذا المجال.. لولا مسائل إجرائية تفصيلية عطلت ذلك. عمومًا القائمة التي ستوقع اليوم ممتدة، وهي تنتقل من نقاط الاتفاق العريضة، إلي التفاصيل العميقة في التعاون الاستراتيجي بين البلدين اللذين يتبادل المسئولون فيهما الزيارات علي مدار أسبوع وراء آخر.. والاتفاقيات التي يوقع أغلبها وزير الخارجية أحمد أبوالغيط، بخلاف اتفاقيات أخري يوقعها وزراء التجارة والتعاون الدولي والزراعة.. تشمل مجالات البيئة والطاقة والزراعة وغير ذلك . ولعل الكثيرين يلاحظون أن إيطاليا من الدول القليلة التي يصطحب فيها الرئيس وفدا وزاريا بهذا الاتساع.. ففي الوفد الرسمي، بخلاف وزير الخارجية، الوزراء: رشيد محمد رشيد وأمين أباظة وفايزة أبوالنجا وأنس الفقي.. ورئيس المخابرات عمر سليمان.. ورئيس ديوان رئيس الجمهورية د.زكريا عزمي. الجوانب السياسية في الزيارة مهمة للغاية، في اطار الدوائر التي تشغل اهتمامات كل من القاهرةوروما، وقد لا يندهش المتابعون حين يعرفون أن مسألة الخلاف بين دول حوض النيل.. وتوقيع الاتفاق الاطاري من أربع دول في منابع النهر.. سوف تكون مطروحة في فعاليات اليوم بطريقة مباشرة وغير مباشرة. إيطاليا تاريخيًا مرتبطة بإثيوبيا والقرن الأفريقي، تلك مناطق نفوذها في عهد الاستعمار، وهي معنية بمناقشات مع مصر بخصوص اوضاع الصومال.. فضلا عن مباحثات حول السودان وملف دارفور.. وكما قال وزير الخارجية أحمد أبوالغيط: نحن نبحث (علاقات الشمال بالجنوب وكيف سوف تجري وقائع استفتاء 9 يناير علي مستقبل الجنوب.. وأيضًا التفكير الإقليمي والدولي في ترتيبات ما بعد نتيجة الاستفتاء) . ومن ثم فإن بين إيطاليا والمنطقة التي يدور فيها الخلاف حول المياه قنوات، تم استثمارها من قبل، في ضوء هذا الوضع التاريخي وفي ضوء أن إيطاليا من الدول المانحة التي يمكن أن تمول مشروعات الاستفادة من مياه النيل.. وفي ضوء دورها في إطار مجموعة (الايجاد). ومن الواضح أن مصر، حتي وهي تتعامل مع ملف النيل بإيقاع هادئ ورصين، يعرف جميع الأبعاد ويتعامل مع كل البدائل، فإنها إنما تستثمر علاقاتها الخارجية في بناء مواقف محددة.. تساهم في ترسيخ وجهة نظرها القائمة علي أنه لايجوز الاقتراب من الحقوق التاريخية المصرية ولا من الحصة المقررة في مياه النيل ولا أن يتم بناء أي مشروع يستخدم مياه النهر في أي دولة بدون موافقة جميع الاطراف. وطالما أن أوروبا تضم عددًا من المؤثرين تاريخيا في عديد من دول حوض النيل، وطالما أن فيها عددًا كبيرًا من المانحين المحتملين لمشروعات مياه النيل، وطالما أن مصر شريك أساسي وفعال في شراكة حوض المتوسط.. وكذلك إيطاليا.. فإن التحرك المصري في اتجاه روما.. وعلي محور مبارك بيرلسكوني.. والعلاقة النشطة والاستراتيجية دون أن تسمي كذلك مع فرنسا وعلي محور مبارك ساركوزي.. والعلاقة المتميزة بين مصر وألمانيا وعلي محور مبارك ميركل.. التي تزور مصر في نهاية يونيو القادم.. والعلاقة المتطورة بين مصر وإسبانيا وعلي محور مبارك ثاباتيرو.. كل هذا يصب في إطار مصالح مصر في مياه النيل، ولا ينفصل عنها. وإذا كان الشيء بالشيء يذكر، نشير إلي المعلومات التالية فيما يتعلق بملف النيل: * وجهت مصر خطابًا شاملاً حول موقفها من توقيع الدول الأربع في منابع النيل علي الاتفاق الإطاري.. إلي الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون.. وأحيطت علمًا به كل من الدول المانحة.. وبما في ذلك أيضًا كل دول حوض النيل. * وجه أمير الكويت الشيخ جابر الصباح خطابا إلي كافة دول حوض النيل ينص فيه علي أن الاستثمارات الكويتية في دول الحوض مرتبطة بعدم المساس بالمصالح المصرية في مياه النيل.. ويذكر في هذا السياق أن الكويت من بين الدول التي يقوم مستثمروها بمشروعات زراعية مختلفة في عدد من دول الحوض. وإذا كان (النهر العذب) يشغل مصر باعتباره (خط الحياة).. فإن (الحوض المالح) هو بيئة تلك الحياة.. وهو عامر بمشكلات.. سواء علي مستوي الاتحاد الذي يضم شماله وجنوبه أو علي مستوي المشكلات المزمنة في دول جنوبه.. وبالتالي فإن الملف السياسي في الزيارة يتضمن مناقشات حول جهود التسوية في الشرق الاوسط وكيف يمكن ان تؤثر أوروبا علي إسرائيل لكي تدفعها إلي المضي قدمًا في التفاوض. وفي الملف نفسه قمة الاتحاد من أجل المتوسط التي تواجه مشكلة إصرار مصر علي ألا توصف الأراضي الفلسطينية في وثائق الاتحاد إلا بأنها الأراضي الفلسطينية المحتلة، ومشكلة أن أفيجدور ليبرمان وزير خارجية إسرائيل يريد ان يكون حاضرًا في القمة ما يعني أن عديدًا من الرؤساء العرب قد لا يحضرونها.. وهو ما لا تريده إسبانيا.. ومن ثم فإن وزير خارجية إسبانيا يزور مصر قريبًا. وفي السياق الأوروبي ذاته فان مصر عبر مباحثات بيرلسكوني مبارك سوف تناقش أيضًا توجهات متنوعة في العلاقة مع الاتحاد الأوروبي.. لا سيما أن هناك إعدادًا لقمة مصرية أوروبية سوف تتم قريبًا. تفاصيل شئون مصرية ص 2