برز هاني نقشبندي في المشهد الروائي السعودي من فترة ليست بالطويلة، ليحجز سريعا لنفسه مكانا بين أهم كتاب الرواية، تمثل أعماله إضافة نوعية للمنجز الروائي السعودي، وتتميز كتاباته بعفوية ساحرة ونكهة خاصة، تكتسب أهميتها من دقائقها وتفاصيلها وخفاياها وسخريتها السوداء، أصدر ثلاث روايات هي "اختلاس" 2006 و"سلام" 2008 وأخيرا "ليلة واحدة في دبي" 2010 روزاليوسف" التقته بالقاهرة وكان هذا الحوار: "ليلة واحدة في دبي" هو عنوان روايتك الجديدة، ما القضايا التي تطرحها الرواية؟ - الرواية تهتم بالبعد الإنساني، وتؤكد علي عدد من الأفكار منها أن: الحب يحيل الجمال إلي كائن حي، والشفقة علي الذات من أسوأ التعاسات، وأن الوحدة كالسعادة مصدرها نحن لا الآخر، ولفرص لا تنتهي وعندما تنتهي فرصة تظهر فرصة أكبر منها فالله سبحانه وتعالي يعطي الكافر والمؤمن والحياة كلها محطات متكررة. لماذا اخترت دبي مسرحا لروايتك؟ - دبي مكان أعيش فيه، وهي مدينة تضم جزءا من كل مدينة أخري، فهي تشبه الكرة الأرضية بكل نتوءاتها، فهي الرياض ونيودلهي ونيويورك والقاهرة، لم أقصدها بذاتها، ولكنها رمز للمدن الجموحة التي تتغير بسرعة وتعطي الإنسان فرصة وأمل في مستقبل أفضل. الاغتراب تيمة أساسية في الرواية ما مصدره؟ - هذا صحيح، الاغتراب جزء من الرواية، فكل إنسان يعيش مرحلة من مراحل الاغتراب عن الوطن، والاغتراب عن الذات، والإنسان بقدر خوفه من الوحدة يخاف الناس، والسعادة مصدرها أنت وليس الآخرون، فإذا لم تكن سعيدا بداخلك فلن يستطيع الآخرون إسعادك. لماذا تطغي لغة السرد علي لغة الحوار في الرواية؟ - هذا صحيح، السرد يتكئ علي عنصرين الأول الحدث، والثاني الحوار، وقصدت أن يكون عنصر الحدث هو الغالب، حتي لا أشتت ذهن القارئ، فيركز علي الحدث الذي هو صلب الرواية، وهذا يتفق مع ضمير المتكلم الذي يرسخ لتقنية الراوي العليم ببواطن الأمور، ويسيطر علي مجريات الأحداث، والبطل الحقيقي في الرواية هو الفكرة القائمة علي مبدأ تكافؤ الفرص وتكرارها. لماذا جاءت الرواية قصيرة مقارنة برواياتك السابقة؟ - لاحظت أن ما يواجهه الإنسان المعاصر من مشكلات وأزمات لم يترك وقتا لقراءة المطولات من الشعر أو القصة أو الرواية، في كتاباتي أبحث عن الفكرة والصورة المعبرة والمثيرة للدهشة عند القارئ، كما أننا نفتقد وجود منابر تحقق للكاتب الوجود الذاتي، فالكتابة لابد أن تكون هادفة وذات فائدة تواكب الوضع العام والمستقبل، ولحظات التأمل عامرة بالألم، لذلك أعبر عن الفكرة التي بذهني بأقل الكلمات، بشرط أن تكون ذات أبعاد، وما نمر به من أحداث وحروب وأزمات لم تترك لنا غير التمسك بالفكرة والهدف من كتابتها أن تعبر عما نحسه. كيف تختار عناوين رواياتك اللافتة؟ - العنوان مكون أساسي من مكونات الرواية ككل، وأعتبر العنوان نصا صغيرا يفضح نية النص الكبير كما يقال، والعنوان أول ميثاق بين الكاتب والقارئ لتوريطه في قراءة العمل. ما الخيط الرفيع الذي يربط بين رواياتك؟ - كل رواية مستقلة عن الأخري، فروايتي الأولي "اختلاس" يطرح قضية تهميش المرأة العربية وخضوعها للظلم، ومن يذعن للظلم ولا يثور عليه يستحقه، والرواية الثانية "سلام" تطرح ضرورة النظر إلي تاريخنا نظرة مغايرة، تقترب من الموضوعية والبعد عن التغني بأمجاد وهمية، فدخول المسلمين إلي الأندلس لم يكن فتحا وإنما غزوا سرعان ما تهاوي ولم يستطعوا إنشاء حضارة هناك، والرواية الأخير تطرح قضية تحول الإنسان إلي مجرد رقم في منظومة الحياة المعاصرة، وإذا كان لابد من خيط يربط بينها فهو العمق الذي يتجلي في بساطة التفاصيل. ما رأيك في الرواية النسائية السعودية المعاصرة؟ - هناك طفرة في المنجز الروائي النسائي في السعودية حيث ظهرت موجات من التحول نحو تحطيم النماذج النمطية لتطوير الأساليب السردية والصورة اللغوية الجمالية، رافقت تحولات البني الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وعبرت عن القضايا الداخلية ومرت بما مرت به تلك القضايا من ازدهار وانكسار، لكن هناك تقاطعًا في صورة المرأة التي تقدمها الروايات وإن كان هناك بعض الروايات تهتم بإعادة إنتاج القيم الذكورية، وتزيد من تهميش المرأة، فإن ذلك مرده إلي التحولات الحادة التي يمر بها المجتمع السعودي، الذي يشهد قيام بني جديدة تؤسس لعلاقة أكثر إنسانية وسط رفض تقليدي لا يعدم الهيمنة وتوظيف مختلف وسائل الخطاب ليمنع صور ظهور المرأة الجديدة. ما علاقتك بالنقد؟ - للأسف كثير من النقاد لم يستطيعوا توصيف رواياتي بشكل جيد، وأعتقد أنه لا ضرورة لوجود الناقد الذي يمثل حاجزا بين المبدع والمتلقي، وأرفض الوساطة بين الكاتب والقارئ لأن الناقد يوجه القارئ طبقا لوجهة نظره هو، وأنا أرفض وصاية الناقد علي القارئ. إذن ما التوصيف الصحيح لرواياتك؟ - رواياتي ترفع سقف الجرأة في المشهد الروائي السعودي وتحرض علي الأسئلة فلا تخاتل القارئ وتكتفي بالبعد الشكلاني العاطفي في الرواية. ما علاقتك بالرقيب السعودي؟ - لدي أمل كبير في أن يدخل الرقيب السعودي المتحف لأن الكتاب السيئ سوف يفشل داخل مجتمع محافظ أو مفتوح، فهل يعقل أن يقرر شخص ثقافة أمة بكاملها والسؤال هو: هل الرقيب يقرأ؟ أعتقد أنه ليس لديه وقت للقراءة، وإذا قرأ ثقافته حتي يقرر ما المسموح به وغير المسموح به؟ ولقد وعدني وزير الإعلام السعودي بأن الوضع سيكون أفضل في السنوات القادمة، وعندي أمل كبير في صدقهم فيما يقولون، فأنا داخل السعودية بجسدي لا بفكري وكتاباتي أتمني أن يأتي اليوم الذي أدخل فيه بجسدي وفكري معا. كيف تري المطالبة بمصادرة كتاب "ألف ليلة وليلة" في مصر؟ - أكبر معوق للتنوير في العالم العربي هو "سيف الدين"، فنحن نعيش مداً أصولياً قاتلاً، وكلما ضاقت السبل بالناس لجأت إلي الله سبحانه وتعالي، والمد الديني يملك القوة والنفوذ للسيطرة علي الشارع العربي، وإذا كانت هناك دعوي لمصادرة "ألف ليلة"، فالدور علي المعلقات، ولا نستبعد المطالبة مصادرة الأحاديث النبوية الشريفة التي تتناول العلاقة بين الرجل والمرأة، وهذا "السيف الديني" يملكه عابثون يعيشون مرحلة المراهقة الفكرية، وهذا التسلط الديني ليس في مصر فقط وإنما في طنجة أيضا، فنادرا ما تجد امرأة محجبة، وهذا ليس صحوة دينية، فهل كنا خاملين دينيا حتي نصحو؟ فالتسلط الديني هو أكبر معوق للتنوير باسم الصحوة الدينية.