قصر حالة الطوارئ بعد تمديدها لمدة عامين قادمين علي الجريمة الإرهابية وجريمة الاتجار في المخدرات لم يعد مجرد تعهد سياسي تلتزم به الحكومة مثلما كان الأمر في السنوات السابقة، ولكنه صار التزاماً قانونياً لها أمام الجميع الآن.. وهناك فارق كبير بين التعهد السياسي والالتزام القانوني.. فالتعهد السياسي يمكن عدم الوفاء به دون أن يترتب عليه أي نتائج سوي تعرض من قدمه للنقد والهجوم من قبل المعارضين، وهو أمر قد تتحمله الحكومة مادامت تملك أغلبية في البرلمان تضمن لها الاستمرار.. لكن الالتزام القانوني يعرض من يخرقه للمساءلة القانونية ويضعه تحت طائلة القانون. ولذلك.. ستكون العيون مفتوحة ومركزة علي الحكومة ابتداء من أول يونيو المقبل.. عيون في الداخل والخارج أيضا ستراقب كيف ستنفذ قرار مد الطوارئ بعد التقييد الذي جري عليه وتقليصه ليقتصر علي جريمتين محددتين فقط.. سيكون تطبيق الحكومة للطوارئ تحت المراقبة.. مراقبة النخب السياسية ومنظمات حقوق الإنسان.. وهذا سوف يضفي قيداً إضافياً علي الحكومة وسلطات الأمن وهي تنفذ أحكام الطوارئ.. أي أن هناك الآن ثلاثة قيود للطوارئ قيدت الحكومة نفسها بها.. التعهد السياسي الذي قطعه د.نظيف رئيس الحكومة في البرلمان.. والالتزام القانوني الذي قصر تطبيق الطوارئ علي الجريمة الإرهابية وجريمة الاتجار في المخدرات، بالإضافة إلي الرقابة السياسية والحقوقية خارج الأوساط الحكومية. وبالتالي فإن الحكومة ومعها سلطات الأمن بسلوكها وطريقة تنفيذها للطوارئ هي التي سوف تستوعب وتحتوي تلك المعارضة النخبوية التي ثارت حول تمديد الطوارئ لمدة عامين مقبلين.. وهي أيضا التي سوف تؤكد أن الحكومة حينما قيدت الطوارئ هذا العام كانت تخطو خطوة بالفعل في اتجاه إلغاء الطوارئ بشكل كامل كما عبر عن ذلك رئيس الوزراء ود.مفيد شهاب، وكلاهما اعتبر التمديد للطوارئ أمراً اضطرارياً في ظل تربص إرهابي يحيط بنا من كل جانب، وهدد بالفعل بلدنا كثيراً ومازال يهددها حتي الآن. طريقة الحكومة وأسلوبها في تطبيق الطوارئ هو الذي سيرسل الرسالة الصحيحة لمن يعنيه الأمر والتي يتمناها كثيرون وهي أن الطوارئ في سبيلها للإلغاء، وأنها سوف تستبدل بقانون لمكافحة الإرهاب. لذلك فإن علي الحكومة مسئولية كبيرة في هذا الصدد.. هي التي ستطمئن الذين يثير قلقهم استمرار الطوارئ، حتي ولو كان هؤلاء ينتمون للنخبة السياسية فقط وليس من عامة الناس الذين تشغلهم فقط أوضاعهم المعيشية وتحسين دخولهم وتوفير فرص عمل لأبنائهم، أو كان هؤلاء ممن يتابعون من علي بعد في الخارج ما يحدث في مصر ولا يعرفون كثيراً تفاصيل الحياة فيها، ويشد انتباههم أكثر ما تتداوله الصحافة والفضائيات التليفزيونية. وأعتقد أن الحكومة ومعها سلطات الأمن تدرك أن هؤلاء وغيرهم سوف يدفعونها إلي مواقف يختبرون فيها تعهداتها السياسية والتزاماتها القانونية بخصوص تقييد الطوارئ الذي تم إقراره بمبادرة منها.. وأعتقد أيضا أن الحكمة والتزام أقصي درجات ضبط النفس مهم في هذا الصدد، بالإضافة إلي انتقاء من يعبرون عن آراء ووجهات نظر الحكومة في هذا الأمر.