تحدث كل عدة شهور مشاكل في شبكة الانترنت والكابلات التي تصل إلينا من أوروبا وتحمل لنا الشبكة العبقرية.. وكلما حدثت مثل هذه الأعطال، وضعنا أيدينا علي قلوبنا وأصابنا جميعا الذعر بسبب احتمال أن نعيش ولو لمدة أسبوع بدون إنترنت.. وكأنما ولدنا وفي أيادينا ال (كي بورد) وعيوننا علي الشاشة، وكأننا لم نحيا سنوات طوال قبل الانترنت، وبدون أن نتصور وجوده!! فماذا حدث؟ ولماذا صار للانترنت هذه الأهمية اليومية في حياتنا لدرجة أن فكرة الاستغناء عنه تكاد تصيبنا بالهلع؟ عندما دخل الإنترنت مصر في التسعينيات من القرن الماضي، كنا نستطلعه بصعوبة ونستغرق لدخول كل صفحة عدة دقائق.. وبالطبع كان الاتصال بالانترنت مقصوراً علي التليفون وبالتالي كان بطيئا جداً جداً.. ولما بدأ عصر ال(DSL) صرنا في سعادة لا توصف وأصبح الانترنت متاحاً بشكل أفضل بكثير عن ذي قبل.. ولكننا بالرغم من هذا التطور لم نصل إلي مرحلة عدم الاستغناء عن الإنترنت في ذلك الوقت.. وكنا ما زلنا نعتمد عليه في البحث العلمي فقط، ثم زاد بعد ذلك ليشمل الأخبار ومتابعة الثقافة العامة. لكن إدمان الإنترنت - في رأيي - لم يقو إلا عندما امتد ليشمل مناحي أخري من حياتنا لا تقف عند العلم والبحث والثقافة فحسب.. فقد دخل الإنترنت عالمين بالغي الأهمية في حياة كل إنسان أولهما عالم الاجتماعيات الجديدة، وثانيهما عالم التسلية أو ما يطلق عليه بالمصطلحات العولمية: (Entertainment World).. وهذا ما جعل من الإنترنت عالماً خاصاً بكل إنسان لا تقف حدوده عند ساعة أو اثنتين، ولا عند بحث أو ثقافة أو حتي ما يخص العمل، بل يتعدي البيت والعمل ويصحب الإنسان في الطريق وعلي اللاب توب وعلي الموبايل وفي كل أوقات اليوم. ودخول عالم الاجتماعيات الحديثة كان سهلاً علي الإنترنت لا لسهولة التقنية الخاصة بال (chat) وال(Facebook) وغيرهما، لكن لاحتياج البشرية لبديل عن الاجتماعيات الحقيقية وتلاقي الأصدقاء والأحاديث والثرثرة والاطمئنان كل واحد علي معارفه وأصدقائه.. كل هذه الأنشطة الاجتماعية وغيرها كانت قد تلاشت من البشرية بشكلها الملموس، ولكن الإنترنت وفر البديل الالكتروني لها بشكل عصري تماما.. فبعد أن كان البريد قد اقتصر علي المراسلات الخاصة بالأعمال، واختفت منه تقريبا كل المراسلات الشخصية، صار هناك نوع آخر من البريد - الإلكتروني - أتاح للناس مرة أخري عودة المراسلات.. وبعد اختفاء الزيارات حل محلها الشات. أما عالم التسلية فقد أتاحته الشبكة المعلوماتية بشكل غير مسبوق وبصور متعددة وشديدة التنوع وغير محدودة المصادر لدرجة أنها صار فيها ما يناسب الصغار والكبار، ومختلفي الثقافات، ومتعددي الاهتمامات، ومتنوعي الاتجاهات.. وأنت غالبا ستجد أكثر من نوع من التسلية علي الانترنت.. أضف إلي ذلك حياة اجتماعية واسعة، ثم عملك، ثم الثقافة، ومع ما سبق القراءة والموسيقي والاتصال عبر البحار.. ماذا يتبقي؟ وهل بعد كل ما سبق نستطيع الحياة بدون الإنترنت؟