لا أعتقد أن الغالبية العظمي من اللبنانيين تقبل ما حدث للمواطن محمد مسلم ببلدة "كترمايا"، حيث قتله سكان القرية، ومثلوا بجثته، وعلقوه شبه عار علي عمود كهرباء. هذه ليست طبيعة الشعب اللبناني، فهو شعب لطيف، مسالم، مقبل علي الحياة، وله علاقة طيبة بالمصريين. الحادث فردي- حسب تعبير المتحدث باسم وزارة الخارجية حسام زكي- لكنه بشع، يكشف كيف أن الغضب الجماعي يمكن أن يفعل الكثير، ويلوث واقع شعوب، ويشين علاقاتها بشعوب أخري. لكني بالرغم من مشاعر الضيق التي انتابتني لم أشعر بأي تعاطف تجاه القتيل لأنه قتل أربعة أبرياء بدم بارد من أسرة واحدة في ذات القرية - طفلين واثنين مسنين- بسبب رفض الأسرة تزويج ابنتهم له.. أي غباء وحمق يدفع شخصا لارتكاب جريمة بشعة كهذه ردا علي رفض طلب بالزواج. لن أخوض في سيرة الشخص القتيل، ولاسيما أن هناك الكثير من الواقع في مصر ولبنان يشينه، ويدينه بتهم خطيرة، فما فعله المواطنون اللبنانيون سكان البلدة، رغم رفضنا له، سيظل له ما يفسره في الشعور الجمعي الغاضب. خذ مثالا علي ما يحدث أحيانا علي الطريق الزراعي، عندما تصدم سيارة شخصا أو حتي بهيمة تجد سكان القرية يخرجون عن بكرة أبيهم يحرقون السيارة، ويفتكون بصاحبها، وإذا أفلت يتحول الأمر إلي مشاعر غضب عمياء تجاه كل السيارات المارة، وقد فعلوا أكثر من هذا في إحدي المناسبات عندما أشعلوا إطارات السيارات، وهاجموا سيارات الشرطة. بالطبع سلوك مرفوض، ولا يوجد تبرير له في الدولة الحديثة التي تستند إلي حكم القانون. لا أود من هذا الحديث تبرير ما فعله اللبنانيون الغاضبون في بلدة "كترمايا"، فالقانون وحده كان ينبغي أن يقتص من القتيل إزاء جريمته الشنعاء بقتل أربعة من أسرة واحدة، دون أن يخرج الناس عن بكرة أبيهم غاضبين، ساخطين، يقتلون الرجل، ويمثلون بجثته. مشهد بربري لا يليق بالشعب اللبناني المعروف عنه الأصالة والعراقة، وحب الحياة والثقافة، والانفتاح علي الشعوب والثقافات الأخري. القضية التي ينبغي أن نتوقف أمامها هي «المواطن المغترب»، ما صورته، وما ينبغي أن نفعله إزاءه؟ ليس كل من يسافر إلي الخارج يقدم صورة طيبة عن المجتمع المصري، بل علي العكس قد يقدم صورة بالغة السوء والقتامة. نري ونسمع في دول أخري كيف أن بعضا من المصريين يقترفون سلوكيات لا ترقي إلي مستوي الاحترام والتقدير في هذه المجتمعات. هذا الشخص القتيل، بالرغم من إدانتنا الكاملة لقتله علي هذا النحو من البشاعة، يقدم نموذجا سلبيا للمواطن المصري في الغربة. ويوجد كثيرون مثله أو علي شاكلته في دول عديدة، ولاسيما أن المجتمع المصري منذ السبعينيات يصدر بشرا إلي جميع دول العالم، شرقا وغربا. وكثير ممن يقدمون علي الهجرة، والعيش بالخارج ليسوا أفضل العناصر البشرية، خلقا وتعليما، بل علي العكس قد يحملون ثقافة سلبية، وقيما إنسانية متراجعة. هناك مفاهيم عديدة اليوم في العالم حول الهجرة، فلم تعد ملاذا للأشخاص متراجعي الثقافة والقدرات أصحاب المهن ذات الأجور المنخفضة، لكنها مجال يتعلم فيه الشخص إمكانات جديدة يعود بها بالفائدة علي مجتمعه الأصلي. قد تكون الفائدة فيما يرسله لأسرته من تحويلات مالية، ولكن الفائدة الأكبر فيما يتعلمه من خبرات في الخارج، يسعي إلي ترجمتها علي أرض الواقع في وطنه الأصلي. من هنا أطلقت الأممالمتحدة والاتحاد الأوربي مبادرة مشتركة حول "الهجرة والتنمية"، أي أن تسهم العقول المهاجرة في قضايا التنمية في أوطانها الأصلية. عن هذه القضايا نود أن نتحدث، أما الأحداث التي تنم عن سوء سلوك من مهاجر، وهبات غريزية من سكان المجتمع المستضيف فلم تعد تسهم سوي في زيادة الكراهية، ورفض الآخر، والأهم خلق صورة سلبية عن الهجرة والمهاجرين.