الحبيب الذي ينتظره البرادعي أن يأتي علي الرغم من معارضتي للدكتور محمد البرادعي، وانتقاداتي المتوالية لما يطرحه ولأفكاره التي أراها تنطوي علي قدر هائل من الضرر لبلدي، إلا أنني أتعاطف معه نوعًا ما.. تعاطفًا إنسانيا.. وأنا أري ما يتعرض له من معسكره.. وممن وقفوا حوله وفرضوا أنفسهم عليه.. أو وجدوا أنه يعتلي موقعاً ليس له.. وإن لم يمكنهم أن يقاوموه أو يرفضوه. الفريق الاحتجاجي المعارض الذي يقف خلف البرادعي صوريا لديه معضلة كبيرة جداً.. تدور حول الآتي: * إن البرادعي من وجهة نظرهم قفز علي ما قاموا به وعملوا له منذ سنوات.. هم طالبوا بتغيير الدستور من قبله.. وهم أعلنوا الاحتجاج قبل أن يكون موجودًا في مصر.. وهو يأتي ليقطف ثمار هذا جاهزة. * ولأن البرادعي شخصية معروفة دوليا وتتمتع بالمصداقية من وجهة نظرهم.. فإنهم كانوا أمام مجموعة خيارات أحلاها مر.. فإما أن يتركوه.. في لحظة هم أنفسهم يعانون فيها من افتقاد الزخم.. ويهدرون فرصة لأن يعيدوا طرح أنفسهم علي أكتافه.. وفرصة لاختبار الشارع من خلال تبني شخصية معروفة لخطابهم التقليدي.. أو أن يقبلوا بالالتفاف حوله ويتنازلوا له عن صدارة المشهد لعله يحقق أمرًا ما.. فيستفيدون.. مقابل التنازل عن مبدأ أسبقية الحجز. * تضخمت المعضلة بمضي الوقت.. نتيجة لثلاثة أمور: الأول هو أن النظام لم يتخذ موقفاً مضادًا أو رافضًا لمشاركة البرادعي في السياسة.. بل رحب به.. وإن اشترط أن يتبع الإجراءات القانونية.. ومن ثم انتفت عن البرادعي طاقة الحركة بناءً علي تصوير نفسه ومن معه بأنه مضطهد.. بل ترددت شائعات تقول إنه يقوم بدوره بتنسيق مع الدولة (!!!). الأمر الثاني : أن الأحزاب القانونية اتخذت موقفًا موضوعيا مناقضًا من (ظاهرة البرادعي).. ورفضت - باستثناء حزب واحد- أن تنضوي تحت لافتته.. حتي لو كانت تؤيد بعض مطالبه.. ورأت في تحركه نوعًا من الهدر للحياة الحزبية التي هي تقوم علي أساسها.. ما أدي إلي فقدان المعسكر الاحتجاجي - الذي لا يتمتع بشرعية قانونية - لأي ظهير معارض مساند. الأمر الثالث : أن البرادعي نفسه لم يستطع أن يجري عملية توازنات بسيطة بين الفرقاء من حوله.. من حيث الشكل.. في عملية توزيع المواقع في جمعيته.. وتضرر البعض.. وخرج البعض.. وانتقده البعض.. وعبر هو- كما قلت من قبل- لعدد من الأدباء عن أنه (زهق من هذه الصراعات). عملية اختبار (ظاهرة البرادعي) في الشارع من قبل من وقفوا حوله مؤقتاً.. وأمام أعينهم.. في فعاليات هم الذين نظموها.. أظهرت لديهم مجموعة من الملاحظات: * إن البرادعي ليس الشخصية التي تحظي بالجاذبية الواسعة بين الناس. * إن خطابه محدود الأفق وبعيد عن ذهنية الرأي العام.. وغريب إلي حد بعيد.. وعادة ما يقع في أخطاء. * إن عملية جمع التوقيعات يدوياً لا تحرز نتائج من أي نوع لافت.. حتي وهي لا تتعرض لأي إعاقة.. وكل الذي يجري في هذا السياق مجموعة توقيعات علي شبكة الإنترنت..وهي- كما يعرف هؤلاء- بلا قيمة.. فضلاً عن ضآلة أعدادها. * إنه غازل الإخوان.. ما أفقده المعارضة المدنية والأقباط.. وفي ذات الوقت لم يحصل من الإخوان علي تعضيد ملموس. * إن البرادعي نفسه يصر علي ألا يخوض انتخابات الرئاسة وأن يبقي مجرد داعية للتغيير. * إنه لم يكشف عن تمويلات يمكن أن تتوافر عبر قناته يمكن أن يستفيد بها من حوله. * إن قبول محطة أمريكية كبيرة مثل ال «سي. إن. إن» أن تعطيه وقتًا مساويا لممثل للحزب الوطني له مغزاه السياسي.. ما يعني أنه لا يحظي بالدعم الكامل الذي يمكنه من أن يظهر وحيدًا في برنامج مهم.. وأن أداءه هو نفسه ليس علي المستوي ولم يقو علي الصمود أمام تعليقات أحمد عز.. الطرف الآخر في المناظرة. * إنه أظهر عجزًا عن القدرة علي تطوير الأداء.. في ضوء أن فريق المعارضة الاحتجاجية غير القانونية يدرك أن المطالبة بتغيير الدستور هو حلم بعيد المنال من الناحية القانونية وأن الرأي العام لا يجد في هذه المسألة ما يحفزه من أجل التحرك. * إن الموقف الذي اتخذته الكويت قانوناً من مؤيديه أدي إلي تقويض أي محاولة لنقل المسألة إلي خارج مصر.. وتسبب في تحفز لدي الدول التي تستضيف المصريين.. والأهم أن البرادعي لم يتخذ موقفًا صريحًا مناضلاً من أجل المصريين الذين تضرروا من أجل تأييده. * وبالتالي فإن المحصلة عند فريق المعارضة الاحتجاجية كانت تؤدي إلي مجموعة نتائج حول ظاهرة البرادعي: لا يوجد تمويل - لا يوجد دعم أمريكي صريح إلي النهاية وإن طالب هو به - هو نفسه ليس لديه أفق أبعد مما أعلن - لا يمكن تحقيق الأجندة التي طالب بها - لا توجد لديه شعبية طاغية.. ما يعني أنه في طريقه إلي الأفول والخروج من الساحة. * ونتيجة لذلك أصبحت هذه المعارضة الاحتجاجية أمام خيارين.. إما أن تنفض من حوله تماماً.. ويسقط هو.. وتحظي هي كذلك بالخسارة لأنها وقفت وراءه.. والفكرة التي تتبناها برمتها ستكون قد فقدت جاذبيتها ومصداقيتها.. أو أن تخلي نفسها منه بطريقة مبتكرة.. عن طريق تحميله بأعباء صعبة وتحديات مستحيلة.. لا يقوي عليها.. فيكون هو الخاسر وحده. * هكذا بدأ البعض يصفه علي موقع (تويتر) بأنه مرشح الهواة، وهكذا قال عنه سعد الدين إبراهيم إنه يطرح شروطاً كما لو أنه يغني (يا مين يجيب لي حبيبي)، والأهم أنه يدفع دفعًا الآن إلي تبني مواقف عنيفة.. أو تخرج عن سياقه.. كان يتم الضغط عليه بأنه لا يشارك في المظاهرات.. ولا يدعو لعصيان مدني.. ولماذا لا يتحول إلي غاندي.. وكيف به لا يكون مارتن لوثر كينج. الذين يطرحون عليه هذا إنما يدركون أنه لن يستطيع أن يفعل.. وأن هناك اختلافات نوعية ما بين البرادعي وغاندي.. وما بينه وبين مارتن لوثر كينج.. ومن هنا فإنني أتعاطف معه.. وأدرك حجم ما يتم فعله به.. والعبث بظاهرته.. وكيف يعمل هؤلاء ليس فقط علي إخلاء أنفسهم من حوله.. وإنما إخلاؤه من الساحة بحرق الصورة وإفقاده ما قالوا هم إنه مصداقيته. [email protected] www.abkamal.net