زرت، ولأول مرة الأسبوع الماضي أحد أقدم شوارع القاهرة الفاطمية، وهو شارع المعز لدين الله الفاطمي، وذلك بعد الانتهاء من المرحلة الأولي من التطوير في منتصف فبراير الماضي، التي قامت بها وزارة الثقافة ممثلة في المجلس الأعلي للآثار، ومن المتوقع الانتهاء من المرحلة الأولي من التطوير في منتصف فبراير من المرحلة الأخيرة نهاية العام الحالي، ليصبح أول متحف مفتوحًا للآثار الإسلامية في مصر. كانت الزيارة من خلال حضور ورشة عمل نظمتها جمعية أصدقاء البيئة والتنمية «فدا»، التي يرأسها الدكتور عدلي بشاي الأستاذ بالجامعة الأمريكيةبالقاهرة والتي بدأت عملها في هذه المنطقة منذ عام 1992، وتولي اهتماما خاصا بالبرامج التنموية لأهالي الجمالية، إلي جانب المساهمة في تطوير هذه المنطقة من مختلف الجوانب. وتتخذ مقرا لها موقعا يعرف باسم «الربع» قامت بتطويره تطويرا شاملا وأعادته إلي ما كان عليه قديما، في الجلسة الأولي لهذه الورشة عرض الدكتور فتحي صالح مدير مركز توثيق التراث الحضاري والطبيعي بمكتبة الإسكندرية، والحائز مؤخرًا علي جائزة منظمة المدن العربية تقديرا لدوره في الحفاظ علي هوية المدن العربية من خلال اهتمامه بتطوير القاهرة الفاطمية. عرض الدكتور فتحي لمراحل تطوير شارع المعز، وأشار إلي أنه من المتوقع الانتهاء من أعمال التطوير مع نهاية العام الحالي، وذلك بدءًا من باب الفتوح، وبطول نحو 1400م، حيث شمل التطوير جميع واجهات المنازل والمحلات المطلة علي جانبي الشارع - رصف أرضية الشارع بتبليطة بالجرانيت الأسود الأسواني المحلي (سبعة آلاف وخمسمائة متر مربع) - عمل الأرصفة بترابيع الجرانيت الجندولا (نحو أربعة آلاف وتسعمائة متر مربع) - عمل البردوره من الجرانيت الجندولا (ألفان وتسعمائة متر طولي) - تمت إنارة الشارع بالفوانيس والكوابيل المصنعة خصيصًا علي الطراز القديم الكلاسيكي الذي يتماشي مع عصر الآثار الموجودة به، كما تم وضع فوانيس مدفونة بالأرصفة وموجهة إنارتها علي حوائط الآثار، وذلك لإظهار جمالياتها - أيضا التحكم في حركة دخول السيارات بعمل بوابات الكترونية وضعت علي جميع المنافذ المؤدية للشارع وتغلق من التاسعة صباحًا حتي التاسعة مساء بتكلفة ثلاثة ملايين ونصف مليون جنيه وذلك لإعطاء الفرصة للمشاة والسائحين للحركة بيسر والتمتع بمشاهدة الآثار الموجودة بالشارع لتبدأ بعد ذلك مرحلة جديدة من مراحل تطوير العديد من شوارع القاهرة التي تضم تراثا اسلاميا ومسيحيا مثل منطقة مصر القديمة، وباقي شوارع القاهرة الفاطمية، وغيرها، بهدف الحفاظ علي أكثر من خمسمائة أثر تاريخي تعرضت للتصدع في أعقاب الزلزال الذي ضرب مصر عام 1992 . وفي أعقاب الانتهاء من أعمال الورشة قمت بجولة داخل الشارع العتيق، وشاهدت كم التطوير الذي تم والجهود المبذلة لتحقيق الهدف منه، لكن في نفس الوقت لاحظت أن الشارع برغم كل ما تم فيه يحتاج إلي لمسات جمالية حتي يحقق الهدف المرجو، فعلي سبيل المثال مازالت أرصفة الشارع تستقبل بعض الباعة الجائلين الذين يفترشون أرضية الرصيف لبيع الخضروات، أو أصحاب المقاهي الذين يستغلون الأرصفة، ناهيك عن نشر الملابس علي شبابيك المنازل وخلافه، الأخطر من ذلك هو أنه علي الرغم من كون الشارع غير مسموح فيه بسير السيارات، إلا أنها تسير داخل الشارع علي مسمع ومرأي من المسئولين عن الأمن بداخله، إضافة إلي الدراجات البخارية وما تشكله من خطورة علي المارة داخل الشارع من المصريين والأجانب. جدير بالذكر أن شارع المعز لدين الله الفاطمي يعد المحور الرئيسي للقاهرة التاريخية، وهو أقدم شارع علي الإطلاق في مصر ويربو عمره علي نحو 1040 عاما، قام بتخطيطه جوهر الصقلي، عندما أرسله المعز لدين الله الفاطمي لفتح مصر، بهدف المرور لمدينة القاهرة القديمة وقد سمي قبل ذلك بشارع «بين القصرين» وكانت تمر من خلاله مواكب الاحتفال بالمحمل وكسوة الكعبة. ويضم شارع المعز لدين الله الفاطمي بين جنباته 33 أثرا تاريخيا متنوعا، من بينها: ستة مساجد أثرية، وسبع مدارس، وسبعة أسبلة، وأربعة قصور، ووكالتان وثلاث زوايا وبوابتان هما: باب الفتوح باب زويلة، وحمامان، ووقف أثري وكذلك العديد من المباني التجارية المتمثلة في الأسواق والوكالات، كما تتفرع منه أهم الحارات والشوارع ذات القيمة الأثرية الكبيرة، ومن أهم الآثار التي يضمها الشارع ولا تزال تحتفظ بطابعها المتميز عبر التاريخ وتتصف ببنية عمرانية ومعمارية وثقافية فريدة: باب الفتوح «1087م» - جامع الحاكم بأمر الله «1013م» - زاوية أبو الخير الكليباتي - مسجد وسبيل وكتاب سليمان أغا السلحدار «1839م» - منزل وقف مصطفي جعفر السلحدار «1713م» - جامع الأقمر «1125م» - سبيل وكتاب عبد الرحمن كتخدا «1744م» - قصر الأمير بشتاك - حمام إينال - المدرسة الكاملية «1225م» - مسجد السلطان برقوق «1386م» - سبيل محمد علي «بالنحاسين» - مدرسة وبيمارستان وقبة السلطان قلاوون «1285م» - مسجد الناصر محمد بن قلاوون - مدرسة الظاهر بيبرس البندقداري - سبيل وكتاب خسرو باشا «1535م» - مدرسة وقبة نجم الدين أيوب - سبيل وكتاب الشيخ مظهر - المدرسة الأشرفية - مجموعة الغوري (مدرسة ومنزل ومقعد وقبة وسبيل قنصوة الغوري) «1505م» جامع الفكهاني - سبيل محمد علي (العقادين) - حمام السكرية - واجهة وكالة نفيسة البيضا «1786م» - سبيل نفيسة البيضا - جامع السلطان المؤيد «1420م» - باب زويلة «1092م». في هذا الشارع العتيق عاش شيخ المؤرخين المصريين تقي الدين المقريزي «1346 - 1442م»، وشهد مولد أديب مصر العالمي «نجيب محفوظ» 1911 - 2006م»، الذي استوحي منه الثلاثية، والعديد من اعماله الأخري، وفيه أيضا درس الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في إحدي المدارس التي تقع بداخله.