ناقش رئيس مجلس الوزراء في اجتماع عالي المستوي يوم الثلاثاء الماضي قضايا الإعلام.. حيث قام وزير الإعلام، حسبما نشر، بعرض خطة للتطوير والتنمية وتحقيق التحرير الكامل بما ينظم القدرات الإعلامية، وحقوق الملكية ويحافظ علي تنظيم سوق الإعلام، وإنشاء جهاز قومي للإعلام، سواء من حيث التشريع أو الهياكل أو التنمية البشرية وتحقيق التنافسية، وبعدها بيوم واحد تصادف موعد انعقاد اجتماع المجلس الأعلي للصحافة.. لممارسة اختصاصاته ومناقشة تقارير الممارسة الصحفية وإصدار صحف جديدة وقضايا الصحافة، وتنمية قدرات الصحفيين ومناقشة طلباتهم، وتكاد تكون رسالة الإعلام والصحافة واحدة، كما تكاد تكون مسئوليتهما واحدة، بل إن الإعلام بالمعني الواسع يشمل جميع صور التعبير بأشكاله المختلفة بما في ذلك الكلمة المقروءة أو المسموعة أو المرئية، كذلك فإن الصحافة بمعناها الواسع تمتد إلي صور التعبير لتشمل الكلمة المكتوبة.. والمسموعة.. والمرئية. ويعود تاريخ ميلاد المجلس الأعلي للصحافة إلي أكثر من خمسة وثلاثين عامًا، وتحديدًا منذ 11 مارس عام 1975، خروجا من زمن الإعلام الشمولي ونظرية السلطة، فكان عدد أعضائه وقتئذ ثمانية عشر بينهم وزير الإعلام.. ونقيب الصحفيين.. وأحد مستشاري محكمة استئناف وعميد كلية الإعلام واثنان من أعضاء مجلس نقابة الصحفيين وثلاثة من رؤساء تحرير الصحف.. وثلاثة من المهتمين بالمسائل العامة وغيرهم، وكانت القرارات التي يصدرها المجلس الأعلي للصحافة وقتئذ ملزمة للمؤسسات الصحفية القومية وحدها التي لم يكن هناك غيرها، وبعدها تغيرت الدنيا واتسعت دائرة الحريات وتعددت الأحزاب السياسية وزادت الإصدارات الصحفية.. وتصاعدت مساحة الحرية ثم كانت التعديلات الدستورية عام 80 أي منذ ثلاثين عاما، لتأتي بفصل كامل يخص سلطة الصحافة، ويجعل منها سلطة شعبية، ويؤكد حريتها واستقلالها بمواد صريحة في الدستور بلغت أكثر من خمس عشرة مادة، لتؤكد علي حرية التعبير بجميع صوره وأشكاله وحرية الرأي والنقد وحرية الصحافة، ليصبح المجلس الأعلي للصحافة واحدًا من المؤسسات الدستورية المنصوص عليها في الدستور، ليحافظ علي حرية الصحافة واستقلالها، وعلي المقومات الأساسية للمجتمع وحماية الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي، ويحدد القانون كيفية تشكيله واختصاصاته الأخري، وقد بلغ عدد أعضاء المجلس الأعلي للصحافة أكثر من ثمانين عضوًا، بعد أن ضم إلي عضويته ممثلين للصحف الحزبية والمؤسسات الصحفية القومية.. ورؤساء تحريرها، وممثلي الرأي العام ونقابة الصحفيين وأساتذة قانون وأساتذة سلطتها في إطار المقومات الأساسية للمجتمع وقيمه العليا، والسلام الاجتماعي، ولهذا حظر الرقابة عليها أو مصادرتها بالطريق الإداري. ومع طول عهد المجلس الأعلي للصحافة وخبرة رجاله فلقد جمع أعضاؤه خبرات هائلة وسجلت تقارير ممارسة الصحافة ملاحظاتها الإيجابية والسلبية بشجاعة ومسئولية.. أثناء مناقشتها قضايا الحرية المسئولة.. وصار الطريق واضحًا أمام مسئولياته.. وبالقطع فإن لديه علي مدي التاريخ الطويل ملاحظات.. أو مشاهدات.. وآراء من شأنها تدعيم حرية الصحافة والمحافظة عليها وعلي استقلالها وعلي ضمير الأمة في ذات الوقت وعلي أخلاقيات وقيم المجتمع، وتمتد هذه الرؤية إلي كل صور الصحافة والإعلام بجميع أشكاله. وإذا كان تاريخ المجلس الأعلي للصحافة يعود إلي مارس عام 1975 فإن الإعلام ذو عهد طويل، مازال ينظمه القانون 13 منذ عام 79 وتعديلاته، ليعهد إلي وزير الإعلام الاشراف علي اتحاد الإذاعة والتليفزيون ومتابعة تنفيذ الأهداف القومية سواء من خلال وزارة الإعلام أو مجلس الأمناء، وأنه من بين اختصاصاته وضع ميثاق شرف إعلامي وإنشاء وتملك قنوات البث الفضائي، وقد تطورت الدنيا وأصبح في مصر قنوات خاصة بلغت أعدادًا هائلة.. كما تعددت صور البث الإعلامي واتسعت دائرة الحريات في التعبير والمشاركة وكشف الفساد.. وامتدت صور الرقابة الشعبية والنقد.. وكل ذلك يصب في صالح المجتمع بأسره ومصالح أبنائه.. والمصالح القومية للبلاد. وبعد هذا التطور الهائل واتصال حرية التعبير بالحق في النقد الذاتي والتعبير البناء باعتبارهما ضمانتين لسلامة البناء الديمقراطي للوطن، وتدعيم الحق في تدفق المعلومات وتداولها والحق في الاتصال وهي حاجة إنسانية أساسية، وحق الاجتماع والمناقشة والمشاركة والحوار وذلك كله لا يقوم إلا بمقوماته من وسائل البث السمعي والبصري في جميع وسائل التعبير، لهذا حرصت المواثيق الدولية والنصوص الدستورية وأحكام القضاء علي تأكيد كل هذه الحقوق سواء التعددية الإعلامية، أو حق المشاهد تمامًا كحق المستمع والقارئ، وحق الجمهور واحترام حرية الآخرين وأخلاقيات المهنة وحرية اتصال، كل ذلك أصبح يحكمه نظرية المسئولية الاجتماعية، ولم تعد نظرية السلطة صالحة، ليؤكد كل ذلك أن الحريقة حق وواجب ومسئولية. وهكذا تتشابه رسالة الصحافة والإعلام ويتحدان في الغاية تعبيرًا عن الرأي العام وصياغته وتوجيهه.. كما تتشابه قضاياها ومسئوليتها ومواثيق شرفها، وتتماثل في قضاياها وصور ممارستها وتتنامي معها الحريات وتتسع دائرتها.. ومهما كانت صور الممارسة ستظل الحرية هي الأصل، لكنها ليست حرية مطلقة، فلا يجوز أن تنحرف عن مقتضاها أو الإخلال بما يجاوز أطرها وأهدافها، لأن المسئولية عن التجاوز فوضي لا عاصم لها من جموحها يعصف بشططها، ذلك أن الحرية لا تتصور انطلاقا من كل قيد أو اعتداء علي حقوق الناس، ولهذا تظل الحاجة إلي ترسيخ المهارات، ومواثيق الشرف الإخلاقي ومراعاة حق المواطن والمجتمع والجمهور وحرية الاتصال لترسيخ حرية التعبير في جميع مجالات الإعلام والصحافة ولتظل حقًا وواجبًا ومسئولية، وهي قضايا من شأنها تدعيم حريتها وترسيخ قيمها والحفاظ علي نمائها وتظل هذه القضايا دومًا مطروحة للمناقشة!!