في عام 1993 استدعاني الصديق العزيز والشاعر الجميل أسامة الغزولي إلي مكتب جريدة القبس الكويتية بالقاهرة لأكون مسئولا عن تحرير صفحة يومية في الصحيفة يتم تحريرها من القاهرة وتخاطب المصريين في الكويت الذين كانوا أكبر جالية بها بعد انتهاء حرب تحريرها من الاحتلال العراقي عام 1992 . وأتاحت لي هذه التجربة التي استمرت نحو خمس سنوات الاحتكاك اليومي ليس فقط باهتمامات الجالية المصرية بالكويت، وإنما بالسياسة الكويتية العامة، وبالشأن الداخلي لهذا البلد، وبتجربته البرلمانية المميزة، وبصحافته التي تتمتع بقدر كبير من الحرية أزعم أنه غير موجود حتي الآن في أي بلد خليجي آخر. ورغم أن علاقة العمل انتهت بالصحيفة الكويتية منذ نحو 12 عاما إلا انني لا أزال أتابع عن كثب ما يحدث علي الساحة الداخلية في الكويت، وأتابع انتخاباتها البرلمانية كما أتابع انتخابات مجلس الشعب في مصر، وأعرف تجمعاتها وقواها السياسية الفاعلة ربما أكثر من معرفتي بالأحزاب المصرية الصغيرة والضعيفة. وقبل أيام دخلت الكويت إلي الشأن المصري الداخلي حينما قررت السلطات إبعاد عدد من المصريين، شكلوا تجمعا سياسيا لدعم المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي لتغيير عدد من بنود الدستور وربما الترشح لرئاسة الجمهورية إذا استطاع تحقيق شروط الترشيح. وقد أثار هذا التصرف غضب بعض المحتجين في مصر وتجمعوا أمام السفارة الكويتية بالقاهرة لإعلان احتجاجهم علي إبعاد عدد محدود من العاملين المصريين، كما جرت استضافة بعض المبعدين في فضائيات مصرية خاصة، لكن الحمد لله أن الأمر لم يتطور إلي أزمة بين الشعبين أو الحكومتين كما حدث بين مصر والجزائر عقب مباراة كروية. وكنوع من الإنصاف وذكر الحقيقة لا أكثر ولا أقل فإن القوانين الكويتية تحظر التجمعات السياسية، وإذا كانت الكويت تفتح أبوابها للعمالة من كل صوب وحدب خاصة المصريين والعرب، فإنها تحظر عليهم ممارسة أنشطة سياسية أو القيام بأي عمل من شأنه التأثير علي الأمن العام في هذا البلد. وأتصور أن أي شخص يذهب للعمل في بلد غير بلده عليه احترام قوانين هذا البلد، فإذا كانت الكويت نفسها لم تسمح حتي الآن بالتعددية الحزبية، فكيف تسمح لمصريين أو غيرهم بممارسة عمل سياسي، والتجمع وتأسيس فرع لجمعية تعمل بالسياسة في بلد آخر؟.. وأتصور أنه لو حدث هذا الأمر في بلد غير الكويت ما اكتفي بترحيل المخالفين، وإنما كان سيلجأ إلي محاكمتهم بتهمة مخالفة القوانين المحلية. الكويت لم تخطئ في التعامل مع المصريين الذين خالفوا قوانينها، وهي طبقت روح القانون ولم تأخذ من خالفوه بالشدة.. وهو ما يستحق أن نشكر الكويت عليه.. وندافع عنها.