لا نبالغ حين نجد في الحملة التي يتعرض لها «الحزب» أي الوطني حملة علي (الحزبية) بمعناها التعددي الواسع الذي تقوم عليه الديمقراطية.. فهو الكيان الأكبر والأهم وصاحب الأغلبية.. أن سقوطه كما نفترض من أهداف تلك الحملة يؤدي إلي سقوط (الحزبية).. وتشويهه هو كذلك تشويه للحياة الحزبية.. ولا ينبغي الاعتقاد بأنه سوف يكون الخاسر الوحيد والأخير في الساحة السياسية.. فالخسارة سوف تكون وبالاً علي الجميع. هذا التحليل لا يعني السعي إلي جعل الحزب منزهًا عن النقد.. فمن طبيعة الأحزاب أن تتعرض يوميًا للاعتراض والاستهداف السياسي. علي سبيل المثال فإن مجلة «الأيكونوميست» المؤيدة لحزب المحافظين في بريطانيا.. خرجت قبل أيام بغلاف يهاجم رؤساء الأحزاب الثلاثة الأكبر في بريطانيا.. وقالت عن جوردون براون إنه: (الشيطان الذي نعرفه) وعن ديفيد كاميرون إنه: (الشيطان الذي لا نعرفه). وفي مقال نشرته بالأمس صحيفة النيويورك تايمز للرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون قال: النقد هو شريان حياة الديمقراطية، ولا يوجد من هو علي حق دائما، ولكن ينبغي أن نفرق بين نقد السياسة وتشويه الحكم. غير أن ما يواجهه الحزب في الحالة المصرية يتجاوز استهدافه هو بالانتقاد.. ويتخطي عملية المبارزة السياسية المتفهمة في أي ساحة ديمقراطية تعددية ناضجة. ولأن (الحزبية) هي المستهدفة في النهاية، فإن المنصة الرئيسية التي توجه تلك الحملة هي (جماعة الإخوان) التي يدرك الجميع أنها محظورة إما بشكل مباشر أو غير ذلك.. بأدوات الإخوان.. أو بتوظيف قوي سياسية أخري لتحقيق أهداف الإخوان.. سواء كانت تلك القوي تدري أو لا تعرف فيما تستخدم. إن معضلة الجماعة معروفة الأبعاد.. فهي محظورة بحكم القانون وبالتالي تريد أن تنتقم من الحزب، وهي ضد مدنية الدولة والحزب يقدم بديلاً غير ديني لصفات الدولة، وهي لا يمكنها أن تواجه شبكة علاقات الحزب الاجتماعية المتغلغلة في المجتمع.. ومن ثم تسيء إلي صورته.. وهي تعود إلي جذور إرهابية في حين أنه حزب مدني.. وهي تريد أن تحكم بينما هو الذي يملك شرعية الحكم. الصراع إذن له مبرراته والحملة التي تشنها بانتظام مستقر وإيقاع ثابت وخطة منهجية لن تتوقف (أبدًا).. وقد أضيفت إليها روافد هجوم أخري صاحبة مصلحة في أن تصوب سهامها إلي الحزب.. ولا تعير تلك الروافد أهمية إلي أن ذلك يخدم مشروع الإخوان.. الذي هو ضد تلك القوي التي تهاجم الوطني.. وضد الدولة التي نمت فيها.. وضد النظام الذي منح الأحزاب شرعيتها. ومن ثم فإن أي حديث متكرر، دونما توثيق، في بعض الصحف، عن وجود صفقات أو حوار بين الحزب والجماعة، هو كلام لا وزن له ولا منطق يحكمه ويناقض الواقع.. إن وجود هذا (الحزب) ينفي تلك (الجماعة).. والعكس صحيح.. ولابد أن قيادات الحزب نظرت إلي ما قال المرشد المستجد محمد بديع قبل أيام في إطار إنه مناورة إعلامية مفهومة الأبعاد.. لا تستحق أن يلقي لها بالاً. ويمكن القول إن الحزب، بصورة أو أخري، كان يتعايش مع الحملة التي يواجهها، وبالتأكيد كان يترفع عليها.. ولا ينشغل بها.. في إطار أنه يثق في تركيبة علاقاته وقدرته التنظيمية وحركة عضويته.. فضلاً عن برنامجه السياسي الذي يحقق المصالح لفئات عريضة في المجتمع ويؤدي إلي نهوض الدولة وارتفاع معدل نموها بتطبيقه من خلال أجندة الحكومة. هذا التعايش، وذاك الترفع، وتلك الثقة، لا يمكن الركون إليها في ظل الحراك الذي بدأ بمبادرة من الحزب.. وانطلاقًا من أفكاره ورؤاه.. وأيا ما كان حجم الحزب سياسيًا ورسوخه الاجتماعي وتشعبه الطبقي وامتداده الفئوي، فإن الحملة التي يتعرض لها تفت في عضده وتؤثر في صورته وتهز سمعته.. بحيث تستوجب تحركًا مختلفًا ورد فعل يتميز بوثوب الإيقاع ومنهجية التعامل.. والدأب المتواصل.. ذلك أن الحزب حين يصد الهجوم إنما يدافع أولاً عن (الحزبية).. وعن المناخ الديمقراطي الذي يستفيد منه كما يستفيد الآخرون.. قبل أن يدافع عن نفسه. وإذا كان للشرعية مقومات سياسية واجتماعية وقانونية وتاريخية.. فإن هذه الحملة تسعي إلي أن تزيح عن الحزب شرعيته إعلاميًا ومن ثم سياسيًا.. في خضم تفاعلات حراك يقوم بالأساس علي الفعل الإعلامي وممارسات حرية التعبير.. أكثر كثيرًا مما يقوم علي الفعل السياسي المتجسد في الشارع. فيما مضي، كان يمكن قبول منهج (تكبير الدماغ)، والتعالي علي القوي الضعيفة سياسيًا، وتجاهلها، وعدم الاشتباك معها.. لأن مجرد التفاعل معها سلبًا أو إيجابًا يؤدي إلي منحها طاقة ليست لها ويضخمها علي عكس حقيقتها.. لكن الواقع تغير.. والشارع تطور.. والمناخ تبدل.. بحيث أن (تكبير الدماغ) لم يعد خيارًا مطروحًا من الأصل.. لأن أي مجموعة من المحتجين الشباب الذين قد لا يزيد عددهم علي مائة شخص يمكنهم ببعض الصخب، وكثير من محاباة القنوات الفضائية الخاصة، وممالأة الصحف اليومية الخاصة غير المستقلة، ومساندة الإعلام الأجنبي، أن يكتسبوا زخمًا يفوق الحجم الذي يمثلونه.. فما بالنا بقوي سياسية محظورة لها امتداد تاريخي مثل جماعة الإخوان التي تقوم بتصعيد الحملة ضد الحزب بصورة منتظمة وتنويعات في الأداء. إن من حق الحزب أن يفرض أجندته، وأن يختار الإيقاع الذي يريده، وألا يتحرك بمنطق رد الفعل.. هذه قواعد من مبادئ السياسة وبديهياتها.. ولكن هذا كلام يجوز في حالة ما إذا كانت الساحة منطقية.. والتفاعلات تقوم علي أسس ناضجة.. والحراك يعبر عن قوي ملموسة لا تتضخم بفعل الإعلام المحرض في أغلبه والذي يجد أن شعبيته سوف تنمو بمزيد من الهجوم علي الحزب الوطني وقياداته. هذه ساحة مصابة ب«الحمي».. ودرجة حرارتها مائة مئوية.. تغلي.. وكل ما سبق هو اقتراح مطول ومبرر لكي ندعو الحزب إلي تغيير مناهجه في التعامل مع الحملة السياسية الإعلامية التي يتعرض لها منذ فترة.. ذلك أنه قد حان الوقت أن يبالي وأن يعطي اهتمامًا أكبر وبفاعلية أكثر.. وأن يغير من طريقة تفكيره.. وأن يتواءم مع (اللا منطق واللا قاعدة) اللذين يفرضان منهجيهما علي السياسة في مصر. ونواصل غدًا