«نجيب محفوظ والرواية العالمية» هو عنوان الكتاب الصادر حديثا عن الهيئة العامة للكتاب للدكتور حامد أبو أحمد الذي وصف محفوظ بأنه الكاتب "المؤسس" أو "المفصلي" أو "المتجذر" في باطن الأرض وقد جمع بين الأصالة والمعاصرة منذ أن بدأ الكتابة في الثلاثينيات حتي وفاته عام 2006، مما جعله مؤهلا لأن يفتح آفاقا جديدة أمام الثقافة العربية حتي جاءت اللحظة التي انتبه فيها العالم بقوة إلي أن هناك في مصر أديبا عربيا يصنع ثقافة عالمية فمنحه جائزة نوبل عام 1988 وكانت النتيجة المباشرة هي الإسراع في ترجمة أعماله إلي كل لغات العالم، كما أن نجيب محفوظ ليس مجرد روائي أو كاتب يعبر عن زمان ومكان معين ولكنه كاتب مهموم بقضايا الإنسان ومشغول بالبحث عن الحقيقة، وكان لديه شوق جارف إلي المعرفة مما دفعه إلي أن ينهل من ينابيع التراث العربي والعالمي فقرأ المنفلوطي، وأحمد لطفي السيد، وسلامة موسي، وطه حسين، والعقاد والمازني، وتوفيق الحكيم، ويحيي حقي وغيرهم، وفي الأدب العالمي قرأ الروائيين الكبار من كتاب الواقعية الأوائل مثل بلزاك وديكنز وإن كان قد تأثر بتلامذتهم أكثر مثل فلوبير وستندال وتولستوي وديستوفسكي وامتدت قراءاته إلي الذين أحدثوا منعطفات خطيرة في فن الرواية مثل: جويس وكافكا وبروست وهكسلي وملفيل وهيمنجواي قراءة واعية. واستطاع أن يكون نسيج وحده ويقدم رواية عربية أصيلة ومتطورة، ولعل أهم ما يجمع بين محفوظ وكتاب الواقعية، أنه قد تبني القوالب الغربية في الكتابة ولم تكن قد ظهرت بعد اتجاهات الدعوة إلي تأصيل فنون الكتابة العربية مثل الحكواتي في المسرح أو استلهام التراث في القصة والرواية. ومما يدل علي وعي نجيب محفوظ بالمفهوم المتطور الناضج للواقعية أنه لم ينزلق أبدا إلي التعبير بالعامية حتي في الحوار بين الشخصيات العامية رغم اتهام النقاد له بأن استخدامه للفصحي يتعارض مع وضع الشخصيات العامة في الرواية، وقد رد نجيب محفوظ علي هذا الاتهام فقال: لو كتبت بالعامية لاحتجت كما يحتاج غيري إلي مترجمين لكي يقرأ كلانا الآخر، أو قوله: لو استمرت أوروبا تكتب باللاتينية لكان هذا أفضل لثقافتها. ولقد تأثر نجيب محفوظ في "أولاد حارتنا" بالروائي التعبيري الشهير فرانز كافكا في خلق عالم مواز للعالم الواقعي مع الاختلاف الشديد عن كافكا في أن عالم نجيب محفوظ الروائي لا يتوازي مع الواقع بمفهومه الأرضي ولكن هناك مستويات متعددة فهناك الواقعي والميتافيزيقي والرمزي والإيحائي. وفي الثلاثية بشكل خاص تأثر نجيب محفوظ بالقوالب الغربية لأنه استخدم فيها تسلسل الأجيال أو ما يسميه الإنجليز الرواية النهر وهو ما سبقه إليه طه حسين في روايته "شجرة البؤس" وعبد الحميد جودة السحار في رواية "قافلة الزمان" وهذا النمط ظهر في أوروبا وأمريكا خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين مثل "الملهاة الإنسانية" لبلزاك، و"روجون ماكار" لإميل زولا، و"الرجال أصحاب الإرادة الصالحة" لجول رومان، و"المتوازي الرابع والعشرون" للكاتب الأمريكي جون دوس باسوس. وقد تأثر محفوظ بديستوفسكي في روايتي "اللص والكلاب" و"السمان والخريف" حيث يعالج قضايا الايمان من عدمه والحلم بتجسيد الاشتراكية الطوباوية والتوصل إليها ومواقف الصراع الدامية الحادة الناتجة عن صراع الأفكار المثالية وارتكاب جريمة القتل بدوافع فكرية.