تربيت علي سماع الشعارات السياسية والحزبية البراقة خلال فترة الاحتلال الإنجليزي لمصر، وخلال احتكاكي بالعمل المقاوم حملت البندقية وأنا دون الثانية عشرة من عمري وقتها حلمت بإسقاط طائرات الاحتلال. لكن مصر الآن لا تحتاج إلي شعارات هذه الأحزاب بقدر احتياجها إلي الهدوء في حل مشاكلها عبر المدي الطويل فلن تجدي الاستعانة بعصا موسي التي تضرب الأرض فتنبت الأخضر وتضرب البحر فينفلق. وبعد هذا العمر والتجربة استطيع أن أقول إن الديمقراطية ليست من أولوياتي، لقد نشأت في ألمانيا وشاركت في ثورة الطلاب الأوروبية ضد حكم ديجول وشاركني في ذلك يوشكا فيشر وزير خارجية ألمانيا السابق ومازلت احتفظ له بصور فيديو وهو يمسك بعصا يضرب بها عسكريا ألمانيا خلال التظاهرات. ومع ذلك وبعد مرور هذه الأعوام أدركت تماما أن هذه الأشياء لا ينبغي لي أن أؤمن بها لأنها أشياء صبيانية لا تأتي بالنتيجة المرجوة. أنا لا احتاج لصحف خاصة لأتعلم الديمقراطية، لكن من الناحية العلمية إذا نظرت إلي عدد الأميين في مصر فستفزع، وكذلك الأمر بالنسبة إلي التفاوت في الدخول وغيرها من الأولويات التي يجب أن تتصدر اهتمامنا بعيدًا عن كلمة الديمقراطية التي يتشدقون بها والتي يتخذها البعض وسيلة لتدخلات خارجية بطرق غير مباشرة. أجزم أننا لم نعش ديمقراطية كتلك التي نعيشها الآن في مصر حتي فيما يسمي بليبرالية العهد الملكي فهو تعبير غير دقيق، فمصر كانت تحت الاحتلال. والإنجليز هم من أتوا بمصطفي النحاس رئيسًا للوزراء رغما عن الملك وغير ذلك الكثير من المواقف. أما أصحاب الموضات الرخيصة فيكفي أن نشير لهم بأوضاع العراق حاليا فهم الأكثر إحساسًا الآن بحريتهم لكنهم يعانون من الفوضي وفقدان الدولة لسلطتها. لا أساوي هنا بين مصر والعراق ولكن الخلاصة أن الديكتاتورية المطلقة والتي لانشهدها في بلادنا أفضل وأرحم كثيرًا من الفوضي المطلقة. إن هناك دولاً في المنطقة تدعي الديمقراطية وأولها إسرائيل لكن ما تمارسه علي سكانها من العرب والمسلمين من قهر هو أكبر دليل علي فساد هذه الديمقراطية وعلي العكس تماما ففي مصر يطبق القانون علي الجميع ويدخل الوزراء ورجال الأعمال المخطئون السجن، صحيح قد يحدث بعض التراخي في تطبيق القانون أحيانًا لكن الأساس أن القانون يساوي بين الجميع، وأن الحديث الأهم يجب أن يكون للتنمية وليس للديمقراطية.