قومي.. قوليلي تلات قوانين من قوانين الفيزياء، وكل قانون بإثباتاته.. سامعة؟ تقف التلميذة مرتبكة وغير قادرة علي تلبية هذا الطلب الصعب جدا، بل الجائر.. من المدرسة التي لا تنتظر عليها إلا لحظات قبل أن تصدر قرارها: ارجعي ورا «آخر الفصل» وأعمال السنة صفر.. هذا إذا كانت الحصة تدور «وقائعها» في مكانها الطبيعي.. أي المدرسة.. أما إذا كانت تدور في المكان البديل، أي السنتر المخصص للدروس الخصوصية أو بيت المدرسة نفسه، فإن الطلبات، و«العقابات» تأخذ أسلوبًا آخر. ونحن نتحدث هنا عن مدرسة ثانوية للبنات في شبرا وعن طالبات فصل من فصول أولي ثانوي اللائي حضرن من مرحلة دراسية أخري هي الإعدادية، وهذه السنة الأولي هي مدخلهن الي مرحلة اكثر صعوبة ومقدرة علي التأهيل إلي التعليم العالي في الجامعات والمعاهد بعدها، من هنا فإن الشرح مهم بالنسبة لمادة صعبة مثل الفيزياء التي تقوم بتدريسها هذه المدرسة التي اعطتها مديرة المدرسة ثقتها المفرطة لأنها - علي حد قول المديرة وكما سمعت الطالبات من المدرسات والمدرسين - كانت السبب في حصول المدرسة نفسها علي علامة الجودة ومقياس «الأيزو» باقناعها لبعض المسئولين في الوزارة بأنها مدرسة مثالية. وبالتالي أعطي من يملك لمن لا يستحق شهادة الجودة تاركا ما يحدث داخل المدرسة شأنا خاصاً بأهلها.. أو علي الأدق، بالمسئولية عن قيادتها، ولأن المدرسة الهمامة المقنعة «شخصية» فقد أوكل إليها الاشراف علي تدريس الفيزياء في مدارس أخري في مواقع أخري، ولذلك هي تحضر للمدرسة أسبوعاً وتغيب أسبوعاً، وحتي تعوض غيابها تشرح باب الفيزياء بأكمله في حصة واحدة، وتشرح أربعة أبواب من المنهج في أربع حصص في أسبوع واحد مقابل ترييح الأسبوع الثاني. أما هل تفهم الطالبات هذا الشرح أو يستطعن التعامل مع المادة نفسها؟ فهذا ما لا تفكر فيه السيدة المدرسة.. فهي - ويا لها من امرأة مدهشة حقا - استطاعت إبعاد الأستاذ «مراد» أفضل مدرسي الفيزياء من المدرسة لأنه كان الوحيد الذي يشرح بضمير وكفاءة عالية فتكومت الطالبات علي حصصه مما أوغر صدور زملائه وزميلاته، ومنهم بطلتنا التي لفقت له تهمة بسهولة مستخدمة بعض الطالبات، فنقل إلي مدرسة أخري، لكنه مازال يدرس للطالبات القادرات علي الذهاب إليه من أجل فهم الدروس التي لا يفهمنها في الدروس الخصوصية لغيره ومنهم أبلة «هيفا» بطلة قصتنا. وبمعني أن البنات اللواتي يملكن نقوداً تكفي يدفع آباؤهن وأمهاتهن ثمن درسين لمادة واحدة، درس لاتقاء شر الأبلة ودرس ليفهمن المادة من المدرس الشاطر.. ثلاثون بنتا في الفصل دخلت عشرون منهن في مدرسة الأبلة الخاصة وبقيت عشر بنات غير قادرات علي دفع راتب شهري قدره ستون جنيها، وأولئك سوف يحصلن علي صفر في أعمال السنة، وصفر ثانٍ في العملي ازاي؟ بسيطة.. سوف توقفهن حضرتها أمام أصعب تجارب في الامتحان التي لا يمكنهن حلها لأن «العملي» مضروب في المدرسة يا ولدي. وسوف تفرض عليهن حفظ الدروس غير المقررة عليهن «وإن كانت موجودة بالكتاب» والتي يقول بقية المدرسين للبنات إنها لا تحفظ وليست مقررة، أما البنات الملتزمات معها، في الدرس الخصوصي، فلهن معاملة أخري، فإذا زادت المادة وشكت البنات من صعوبتها فالأمر بسيط «غيبوا من المدرسة يوم كذا عشان ناخد درس خصوصي» ومع ذلك، فإن الأبلة لا ترحم بنات الخصوصي في حالة التقصير، فالطالبة التي لا تحل الواجب.. تدفع.. فإذا تكرر هذا تدفع مبلغاً مضاعفاً.. أما إذا لم يكن معها نقود.. فعليها أن تترك الموبايل رهناً. أما إذا لم يكن معها محمول، فإن الابلة تأخذ ما تتحلي به من مشغولات، عقد أو سلسلة أو كوليه، كله ماشي المهم أن يمتلئ الدرج بالرهونات حتي تدفع البنات في الحصة القادمة وكأنه لا يكفيها الراتب الشهري الذي يدفعنه من عرق آبائهن.. والحقيقة أن النظام الذي وضعته «هيفا» قوي ومتين يساعدها علي الكفاح في التدريس داخل المدرسة وخارجها، وبرغم أن هذه المعلومات التي حصلت عليها كاتبة هذه السطور من تلميذتين بالدرس الخصوصي كافية لادراك ما وجده وزير التعليم الجديد د. أحمد زكي من «بلاوي». إلا أن هناك دائما شيئاً ما مزعج في هذا الموضوع المأساوي هو موقف الطالبات، أو الضحايا انفسهن، وأيضا أولياء أمورهن، فالتلميذة منهن تعود مجهدة، وباكية إلي منزلها مساءً بعد دورة الخصوصي، ويزداد البكاء حين يكون عليها مذاكرة باب كامل من الفيزياء من أجل الدرس الخاص في اليوم التالي بينما يحل موعد باب آخر في اليوم الثالث، ومن باب لباب، ومن درس عمومي إلي خصوصي، ومن جهد غير عادي إلي اجهاد مستمر وإهدار للطاقات لا تصرخ الضحايا، ربما لأن الأبلة تعدهن بالنجاح المؤكد في نهاية العام بطرقها، ومنها نسخة جاهزة من أعمال السنة تسرب اليهن قبل الامتحان وملزمة فيها الامتحان كله. لكن مع توزيع الأسئلة بأسلوب آخر، عليهن مذاكرتها ولا تلتزمن بشرح الفصل لأن فيه أشياء ليست مقررة عليكن.. لهذا يلتزم الجميع الصمت، وإذا تجرأ أحد علي الكلام سوف يدان وحده، لأنها قضية فصل وفصول.. و.. و.. والسؤال الآن هو: أيهما الأجدر بالاهتمام.. والمعاجلة.. المدرسون الذين نهشوا مدارسهم وحول كل منهم، ومنهن نفسه لصاحب مدرسة خاصة علي مقاسه أم أولياء الأمور.. وأولادهم.. وبناتهم..؟ احترت في اتهام كل طرف مع ميلي لاتهام المدرسين والمدرسات.. لكن المسألة معقدة أكثر من هذا.. وربما لو أعدت أنا أو أحد من القراء التفكير من أوله لاكتشفنا كثيراً من الثغرات في هذا النظام البديل.. أما النظام الأصلي فيكفيه أنه أصبح عارا علينا جميعاً.