يعرف الدكتور أشرف منصور أستاذ الفلسفة بجامعة الإسكندرية مفهوم "سوسيولجيا الأديان" في كتابه الصادر حديثا عن دار "رؤية" للنشر والتوزيع بعنوان "الرمز والوعي الجمعي .. دراسات في سوسيولوجيا الأديان" قائلا: "صحيح أن الوحي يأتي من السماء، لكنه لا يبقي في السماء بل ينزل إلي الأرض في مجتمع معين، وسوسيولوجيا الأديان تدرس استقبال المجتمع للوحي وطرق تعامله معه"، وقد ظهرت "سوسيولوجيا الأديان" باعتبارها فرعا من علم الاجتماع علي أيدي عدد من الرواد أمثال: إميل دوركايم وماكس فيبر وكارل مانهايم ولم تقتصر علي الأديان الكبري بل تطرقت إلي دراسة الأديان البدائية السابقة علي ديانات الوحي. استعان المؤلف بدراسات اسبينوزا وهيجل وتوينبي وحسن حنفي للأديان كوسائط للكشف عن المنطق الاجتماعي المحدد والحاكم للظاهرة الدينية، وخلص إلي تكامل نقد هيجل وسبينوزا للدين، فسبينوزا يوضح كيفية تحول اليهودية إلي دين وضعي يؤمن بأن اليهود شعب مختار، ويؤمن بقداسة النصوص، ويخضع لمؤسسة دينية كهنوتية، وهو نفس ما يقوم به هيجل، ويضيف عليه أن المسيحية نفسها قد تحولت إلي أن أصبحت نوعا آخر من اليهودية، فهو يدرس كيفية تحول المسيحية نفسها إلي دين وضعي تتحكم فيه مؤسسة كهنوتية، بعدما كانت في بدايتها تحارب الكهنوت اليهودي، ويذهب هيجل إلي أنه لما كان تشريع الدولة لدي اليهود هو مجموع أوامر الله، فإن القانون المدني والدين أصبحا شيئا واحدا عندهم، وأصبح الدين والسياسة شيئا واحدا، وإنكار وجود الله يعد عصيانا وخيانة للدولة في نفس الوقت. أما المؤرخ توينبي، فقدم صورة عن الإسلام لا تنطلق من المركزية الأوروبية بل من نظرة يمكن أن نطلق عليها التعددية الحضارية، حيث يذهب إلي أن الإسلام الذي دعا إليه النبي محمد كان في جوهره دينا عالميا، والحضارة الإسلامية كانت نتيجة ثانوية للإسلام كدين، مثلما كانت الحضارات المسيحية نتيجة ثانوية للمسيحية كدين. أما حسن حنفي فيكشف أن المضمون اللاهوتي لعلم أصول الدين لدي القدماء، ينتهي إلي السلبية باكتشاف الذات لعجزها عن معرفة الكائن المطلق، وكذلك تحولها من الاستسلام للسلطان الإلهي إلي الاستسلام للسلطان الدنيوي، وبعد التوجه إلي الله يجد العالم الأصولي نفسه يتوجه إلي السلطان. وكان فشل الأيديولوجيات الثورية الاشتراكية والقومية هو ما دفع حنفي نحو العودة إلي علم أصول الدين كطريق مبدئي للتراث والتجديد، لأنه هو العلم الذي يمد الجماهير بتصوراتها عن العالم وببواعثها علي السلوك فهو البديل لأيديولوجياتها السياسية، خاصة بعد فشل جميع الأيديولوجيات العلمانية للتحديث، وحنفي ينظر إلي العقيدة باعتبارها سبب التخلف والتقدم في نفس الوقت، والاعتقاد بأن حال المسلمين لن ينصلح إلا بانصلاح عقيدتهم، وأن ثورتهم علي أوضاعهم لن تكون إلا من خلال تثوير عقيدتهم.