احتج بعض من أصدقائي علي ما كتبته بالأمس عن الطفل الصغير سارق البيتزا الذي لم ألتمس له عذرا بل وجدت أن هناك خللا في تربيته وفي القدوة المقدمة له. ووجد المعترضون أن السرقة من أجل الطعام لا تعتبر ضد الأخلاق ولا القانون. كما رأي بعضهم أن المجتمع وما فيه من فساد عام هو ما يدعو الجميع لقبول الرشوة والإقبال علي السرقة! وعدنا نناقش فيلم (جعلوني مجرما) ليس من وجهة نظر الفيلم ولكن من منظور معاصر ومحلي. وبالرغم من كل محاولات الأصدقاء لإقناعي بالعدول عما كتبت بالأمس، وبالرغم من أن من كانوا في رأيي أقل ممن وقفوا ضدي، ما زلت أؤمن أنه لا يوجد مبرر للخطأ. وهذا ما قلته لابنتي التي وبمحض الصدفة جاءت بنظرية جديدة عن الغش يتداولها التلاميذ هذه الأيام وتعكس ما يقوله المعارضون لي وتؤكد علي فكرة أو مبرر (جعلوني مجرما). تقول نظرية الغش الجديدة إن الغش في الامتحانات إذا توافرت فيه بعض الشروط صار حلالا وسليما وليس فيه شبهة جرم. وهذه الشروط هي: ألا يسرق الغاش المعلومات دون معرفة الشخص الذي يغششه، بل وموافقته علي أن يعطيه المعلومات أثناء الامتحان. كما أن معرفة المعلم وسماحه بالغش هو أيضا من الشروط الواجبة لسلامة العملية وعدم مخالفتها للقانون. أما إذا كانت الإدارة المدرسية والتعليمية بوجه عام علي علم بالأمر وتقوم ب (تفويته)، فأين المشكلة؟ تبدو الأمور منطقية للغاية، فالجميع متفقون علي الغش. وهو ما يحدث في المجتمع بصفة عامة إذ يجد المرتشي والسارق والمزور مبررا لجرائمهم في فساد بعض المسئولين وبعض كبار رجال الدولة. وتكون عبارة (إذا كان فلان يسرق، أنا الغلبان يحاسبونني؟) وإذا كان المدرس يتركنا نغش، أفلا نغش إذا؟ وإذا كان والد اللص الصغير الذي سرق الطعام لم ينهره عن سرقة الأشياء الصغيرة، ألن يسرق الكبيرة فيما بعد؟ والمجتمع هو السبب، والآخرون الكبار والأغنياء يسرقون، ونحن فقراء بالنسبة لهم، وإذا لم نسرق لن نعيش.. إلي آخر تلك المبررات اللأخلاقية التي صارت مبادئ المجتمع الجديدة، والتي بكل أسف لا يناقشها أحد خوفا من اعتبار ذلك قسوة علي الفقراء من ناحية، أو خوفا من عدم قبول المجتمع لتلك المناقشات التي تفضح أخلاقيات فاسدة أصبحت سائدة فيه من ناحية أخري. السارق الذي يأخذ ما ليس له حتي لو كان يأخذ ما هو ليس لأحد، سيبقي سارقا لأنه أخذ دون وجه حق. والغاش الذي يتركه زميله يأخذ منه المعلومات، ويتعامي عنه المعلم، سيبقي غاشا لأنه سيأخذ نتيجة ما لم يتعب فيه. وإذا كان من حولك سارقين أو مرتشين أو غاشين، فهذا ليس مبررا لكي تصير أنت مثلهم. ولا تبحث لنفسك عن مشاكل مجتمعية تعلق عليها أخطاءك لتقول: هم جعلوني مجرما. وما زلت يا أصدقاء علي قناعتي بأن الصواب صواب، والخطأ خطأ.