كتبت عدة مرات عن أمثالك يا مصطفي. لأنهم في تزايد مطرد. ولكنني أشفق عليك كثيرا وعلي والدتك أكثر وأكثر. ما الذي جعلك تنهي حياتك بتلك الطريقة المؤلمة؟ لماذا وأنت صبي لا تتعدي الثانية عشرة تعتزل الحياة قبل أن تتعرف إليها؟ وكيف فكرت في تلك الطريقة الغريبة والحبل والنافذة الحديدية؟ وكم من الألم تحملت قبل أن تنهي حياتك؟ وما حال والدتك المسكينة حين شاهدت ما فعلته بنفسك وأنت الصغير بين كل أبنائها؟ ولا تنتهي الأسئلة حول مصطفي الذي صدقت الصحف في تسمية ما حدث له (لغز). نعم هو لغز محير؛ فالشبهة الجنائية مستبعدة تماما، ومن غير المعقول أن يفكر طفل لا يتعدي عمره 12 سنة في الانتحار إلا إذا كان يعاني معاناة نفسية لا تحتمل مثل طفل قرية ال (SOS) الذي أقدم علي الانتحار العام الماضي لسوء المعاملة والضغوط النفسية الرهيبة التي لم يحتملها. وغالبا ما تزيد نسبة الذين ينهون حياتهم في شريحة أكبر عمرا ممن يصلون لمراحل تعليمية مرهقة كالثانوية العامة مثلا. وهي حوادث تتكرر كل عام أثناء الامتحانات وفي وقت ظهور النتيجة. أما أنت يا مصطفي فلم تكن بعيدا عن أسرتك، ولم يتعامل معك الذين حولك بطريقة شديدة القسوة لتصل إلي يأس يجعلك تنهي حياتك. وأنت يا مصطفي مجرد طفل في المرحلة الابتدائية ولم تدخل بعد في تحديات دراسية كبيرة أو إحباطات مرتبطة بالتحصيل الدراسي والنتائج تجعلك تفكر هذا التفكير المؤلم. هل وبخك أحد علي تقصيرك في تحصيل دروسك؟ ربما. ولكن إلي أي مدي؟ هل أحسست بالفشل لدرجة اليأس من الحياة؟ ولكن أيصل من هو في مثل حداثتك إلي هذا الإحساس القاتل؟ ربما لم يع مصطفي كما تذكر بعض التكهنات في الصحف أنه بهذه الطريقة ينهي حياته. ربما اعتقد أن الأمر لا يتعدي تقليد مشهد رآه في فيلم وأنه لا يؤدي إلي الموت. ربما لم يفهم جيدا أو لم تفسر له والدته بطريقة صحيحة وواضحة معني الانتحار شنقا والفارق الكبير بين الفيلم والحقيقة وأن ما يبدو حقيقيا وهو غير ذلك في عالم السينما قد ينقلب حقيقيا وفعليا في عالم الواقع. ربما فهم خطأ أنه كالممثلين لن يموت إذا انتحر وأنه في عالم خيالي كعالم السينما! إذا فمن هو المسئول عن موتك يا مصطفي؟ أهي أسرتك المسكينة التي تتحمل آلام ما حدث لك الآن؟ أم مجتمع كامل لا يقوم بواجب التوعية لك ولأسرتك وللجميع من آباء وأمهات لأبناء وبنات؟ أم هو النظام التعليمي الذي يضغط العقول والنفوس، ولا يقوم بدوره الأساسي في توعية الصغار بالعالم الحقيقي وبدور كل منا فيه وبالفرق بين الحقائق والخيال وبأهمية كل منهما للإنسان؟ أم أن المسئول الحقيقي هو الفكر الخاطئ السائد بين كثير من الآباء والأمهات بأن التفوق التعليمي هو المقياس الأوحد لنجاح الأبناء في الحياة؟ عزيزي مصطفي لا أعلم لماذا فعلت ما فعلت، ولا من هو المسئول الحقيقي عن ذلك؛ ولكنني متألمة من أجلك ومن أجل أسرتك وأعدك ألا أتوقف عن الكتابة عنك وعمن هم مثلك حتي يتوقف المجتمع عن إهمال تلك الحوادث الجسيمة.