أعلنت الصين مؤخرا أن اقتصادها تعافي من الأزمة المالية التي هددت الكيانات الرأسمالية في العالم أجمع وعلي رأسها الولاياتالمتحدة ليثبت التنين الصيني للعالم أن الحقبة القادمة ستكون آسيوية بلا منازع. ووفق تقديرات خبراء الاقتصاد الدولي، فإن الصين ستشارك في الناتج المحلي الاجمالي العالمي بنسبة 40% بما سيخفض من حجم المشاركة الامريكية ل14% والاتحاد الأوروبي ل5 % خلال العقود الثلاثة القادمة. لكن ما الذي يميز الاقتصاد الصيني ويجعله قادرا علي المنافسة والتعافي السريع من الأزمة المالية التي ضربت منافسه الأمريكي اللدود؟ روبرت فوجل الخبير الأمريكي في التاريخ الاقتصادي والفائز بجائزة نوبل في الاقتصاد عام 1993 حلل في تقرير نشرته مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية أسباب التقدم الصيني، مؤكدا أن الصين ستكون هي العملاق الاقتصادي في عام 2040 مقارنة بالاتحاد الاوروبي نظرا للسياسات التي يتبعها الاتحاد والتي سيترتب عليها انخفاض الناتج القومي بنسبه 5 % في العقد الواحد، نتيجة التغير الديموجرافي والثقافة الأوروبية السائدة الآن من عدم اهتمام بتكوين أسرة وتربية أطفال مما سيؤدي إلي ارتفاع متوسط الاعمار في أوروبا عام 2040 إلي 65 عاما عكس الصين التي تمتلئ بالشباب والقدرة علي العمل والانتاج وغزو العالم بالسلع الاقل سعرا والأكثر جودة وهو ما تراجع بشكل كبير لدي الاتحاد الاوروبي في عصر الهيمنة الاقتصادية السائدة . وتوقع فوجل أن يصل حجم الاقتصاد الصيني عام 2040 الي 123 تريليون دولار أي ما يقارب ثلاث مرات حجم الاقتصاد العالمي في عام 2000، بينما سيبلغ دخل الفرد في الصين 85 ألف دولار في العام وهو ضعف التوقعات الخاصة بدخل الفرد في الاتحاد الاوروبي وأعلي من دخل الفرد في كل من اليابان والهند، بما يعني أن الصين ستنتقل إلي خانة الدول الغنية جدا أو ما نطلق عليه "سوبر ريتش" وذلك في عام 2040 . ويعترف فوجل بأن معظم المعلومات عن حجم الاقتصاد الصيني أو الزيادة المتوقعة في حجمه لا تزال غامضة، بل هناك تقليل من حجم هذه الزيادة؛ فعلي سبيل المثال نشرت مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي دراسة حديثة تتوقع فيها نمو الاقتصاد الصيني بنسبة 20% بحلول عام 2050 أي أكبر من مثيله في الولاياتالمتحدة. ويفسر فوجل ظاهرة النجاح الصيني باستثمار بكين الضخم في التعليم، اذ توصلت الصين إلي أنه كلما زاد تعليم العمال كلما زادت الانتاجية وبالتالي زاد الدخل القومي. ووفقا لتعليمات الرئيس الصيني «جيانج تسه مين» الذي دعي في عام 1998 إلي زيادة أعداد الملتحقين بالجامعات لتصل إلي 165 % عن عام 1998 خلال 4 سنوات فقط، كما بلغ عدد الطلاب الصنيين الحاصلين علي منح بالخارج إلي 152 % عن العام نفسه، بما يعني أنه كلما زادت نسبه التعليم زادت نسبه الانتاجية والمشاركة في زيادة حجم الناتج المحلي وبالتالي المشاركة الاقتصادية الصينية في الاقتصاد العالمي . وأضاف أن عوامل النجاح تشمل أيضا النمو في القطاع الريفي، فوفقا لتقديرات 2009 يوجد 55% من السكان في الريف أي ما يقارب 700 مليون نسمة، وهو ما دعا لتطويره وكذلك الخدمات المتوفرة هناك وبالتالي فإن هذا القطاع يشارك بحوالي ثلث الاقتصاد الصيني وهو لن يختفي في الثلاثين عاما القادمة. كما يري فوجل أن النمو السريع في قطاع الخدمات سواء الصحية أو التعليمية في الصين الملاحظ في السنوات الاخيرة يساهم في زيادة الدخل القومي من حيث صحة المواطنين أو الارتقاء بالمستوي التعليمي الذي يسهم في زيادة الناتج المحلي . لكن أبرزعوامل التقدم الصيني من وجهة نظر فوجل هو النظام السياسي، وذلك لأن معظم القرارات الاقتصادية الناجحة والعقبات الاقتصادية تكون ملحوظة من الداخل ويتم معالجتها من أجل تجنب الوقوع فيها مرة أخري، مشيرا الي الاجتماع السنوي لخبراء الاقتصاد الصيني والذي يطلق عليه مجتمع الاقتصاديين الصنيين والذي يحضره العديد من الخبراء المهتمين بالسياسات التي تنتهجها الحكومة الصينية. ويتناول هذا الاجتماع آخر قرار اتخذته الحكومة وأثار العديد من الانتقادات مثل القرارات الخاصة بالفحم أو رفع فاتورة الكهرباء فيتم مناقشته ودراسة عيوبه بل ونشر خلاصة هذا الاجتماع في الصحف الصينية. أما علي المستوي الحكومي، فيقوم وزير المالية الصيني بالاتصال بهذه الجماعة ويطلب منهم مقابلة عدد من المسئولين بالوزارة لمناقشة هذه القرارات ومعرفة كيف يفكرون.