خاض الناس ولا يزالون كتابًا أو صحفيين في الاصطلاحات الإسلامية التي تغطي الساحة الفكرية أو الدعوية، وتساءل الكثيرون مع كثرة هذه الاصطلاحات بأيها نأخذ؟ ولا شك أن ثمة بلبلة سببها غلو من بعض الدعاة وتوهم من آخرين وجهل من بعضهم يقابل ذلك تيار لا يدقق ولا يبحث فيوجه سهامه إلي التيار الآخر أو التيارات الأخري ويضيع الحق بين هؤلاء وهؤلاء، فهذا صوفي وذلك إخواني وهؤلاء شيعة وهذا سلفي والآخر أشعري وذلك علماني.. إلخ فما الحق وسط هؤلاء؟ وهل يصعب علي المرء أن يهتدي للحق وسط هذا الضباب الفكري؟ الإجابة عن ذلك سهلة ميسورة علي من يسرها الله له، فالأمر يحتاج إلي صدق ونية خالصة وصبر في البحث، قال تعالي "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا" وقال تعالي: "قل هذه سبيلي أدعوا إلي الله علي بصيرة" وقال تعالي: "وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه" ومن هذا المنطلق سأكتب سلسلة من المقالات أبين فيها المفاهيم الأصلية للإسلام بالأدلة والبرهان وعلي المخالف أن يرد ما يراه بالدليل والبرهان فما هذه المفاهيم؟ 1- الإيمان بالله تعالي: نقول في توحيد الله معتقدين بتوفيق الله: إن الله واحد لا شريك له، ولا شيء مثله، ولا شيء يعجزه، ولا إله غيره قديم بلا ابتداء، دائم بلا انتهاء، لا يفني ولا يبيد، ولا يكون إلا ما يريد لا تبلغه الأوهام، ولا تدركه الأفهام، ولا يشبه الأنام، حي لا يموت، قيوم لا ينام، خالق بلا حاجة، رازق بلا مؤنة، مميت بلا مخافة، باعث بلا مشقة، مازال بصفاته قديما قبل خلقه، لم يزدد بكونهم شيئا لم يكن قبلهم من صفاته، وكما كان بصفاته أزليا كذلك لا يزال عليها أبديا، ليس بعد خلق الخلق استفاد اسم الخالق، ولا بإحداث البرية استفاد اسم الباري، له معني الربوبية ولا مربوب، ومعني الخالقية ولا مخلوق، وكما أنه محيي الموتي بعدما أحياهم استحق هذا الاسم قبل إحيائهم، كذلك استحق اسم الخالق قبل إنشائهم، ذلك بأنه علي كل شيء قدير، وكل شيء إليه فقير، وكل أمر عليه يسير، لا يحتاج إلي شيء، "ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير"، خلق الخلق بعلمه، وقدر لهم أقدارًا، وضرب لهم آجالا، لم يخف عليه شيء قبل أن يخلقهم، وعلم ما هم عاملون قبل أن يخلقهم، وأمرهم بطاعته، ونهاهم عن معصيته، وكل شيء يجري بتقديره ومشيئته، ومشيئته تنفذ لا مشيئة للعباد إلا ما شاء لهم، فما شاء لهم كان، وما لم يشأ لم يكن، يهدي من يشاء، ويعصم ويعافي فضلا، ويضل من يشاء، ويخذل ويبتلي عدلا، وكلهم يتقلبون في مشيئته بين فضله وعدله، وهو متعالٍ عن الأضداد والأنداد، لا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه، ولا غالب لأمره، آمنا بذلك كله، وأيقنا أن كلا من عنده، فهو واحد في ذاته وواحد في أسمائه وصفاته، فرد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له صاحبة ولا ولد فهذا هو إلهنا الإله الحق وما دونه فآلهة باطلة، فمن لم يؤمن بهذا الإله الحق فهو كافر به وليس في زمرة المؤمنين الموحدين بأي حال. 2- الإيمان بنبوة النبي محمد صلي الله عليه وسلم: وأن محمدا عبده المصطفي، ونبيه المجتبي، ورسوله المرتضي، وأنه خاتم الأنبياء، وإمام الأتقياء، وسيد المرسلين، وحبيب رب العالمين، وكل دعوي النبوة بعده فغي وهوي، وهو المبعوث إلي عامة الجن، وجميع الوري، بالحق والهدي، وبالنور والضياء، فمن آمن به وصدقه فهو من المسلمين المؤمنين ومن لم يؤمن به ولا برسالته فهو في زمرة الكافرين الجاحدين، فهذا نبينا سيد ولد آدم عليه وعلي سائر الأنبياء والرسل أفضل الصلاة والسلام من لدن نوح وإبراهيم وموسي وعيسي بن مريم وإلي يوم الدين، فلا نغلو فيه ولا ندعي فيه ربوبية ولا ألوهية ولا ندعي فيه علمًا بغيب إلا ما أخبره الله به، فهو عبد ورسول كسائر الأنبياء والرسل لا يملك لنفسه ولا لغيره نفعا ولا ضرًا وكذلك سائر إخوانه الأنبياء والرسل لا يملكون لأنفسهم ولا لغيرهم نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله، ونؤمن بكل ما ثبت عنه فعلا أو قولا أو تقريرا أو صفة بالسند المتصل والمنضبط بلا شذوذ ولا علة. 3- الإيمان بالقرآن الكريم: وإن القرآن كلام الله، منه بدا بلا كيفية قولا، وأنزله علي رسوله وحيا، وصدقه المؤمنون علي ذلك حقا، وأيقنوا أنه كلام الله تعالي بالحقيقة، ليس بمخلوق ككلام البرية، فمن سمعه فزعم أنه كلام البشر فقد كفر، وقد ذمه الله وعابه، وأوعده بسقر، حيث قال تعالي: "سأصليه سقر"، فلما أوعد الله بسقر لمن قال: "إن هذا إلا قول البشر" علمنا وأيقنا أنه قول خالق البشر، ولا يشبه قول البشر، وفهمنا للقرآن من خلال القرآن أو من خلال ما صح عن النبي - صلي الله عليه وسلم - ثم ما صح عن أصحاب النبي - صلي الله عليه وسلم - فهذه أعلي مراتب فهم نصوص القرآن ثم ما دل عليه صريح لسان العرب، فأي تفسير يخالف هذا الترتيب هو تفسير مرجوح وهذه قاعدة من قواعد الصدر الأول لفهم الدين. 4- كفر من قال بالتشبيه: ومن وصف الله بمعني من معاني البشر فقد كفر، فمن أبصر هذا اعتبر، وعن مثل قول الكفار انزجر، وعلم أنه بصفاته ليس كالبشر، مع ملاحظة أن هذه الاطلاقات بالكفر بلا تعيين أما إنزالها علي الأفراد فإنما هي مسئولية القضاة والعلماء الراسخين في العلم ممن لهم ولاية في مجتمعاتهم وليس مهمة الدعاة أو طلاب العلم. 5- رؤية الله حق: والرؤية حق لأهل الجنة بغير إحاطة ولا كيفية، كما نطق به كتاب ربنا: "وجوه يومئذ ناضرة إلي ربها ناظرة"، وتفسيره علي ما أراده الله تعالي وعلمه، وكل ما جاء في ذلك من الحديث الصحيح عن الرسول صلي الله عليه وسلم فهو كما قال، ومعناه علي ما أراد لا ندخل في ذلك متأولين بآرائنا، ولا متوهمين بأهوائنا، فإنه ما سلم في دينه إلا من سلم لله عز وجل ولرسوله صلي الله عليه وسلم، ورد علم ما اشتبه عليه إلي عالمه، ولا يثبت قدم الإسلام إلا علي ظهر التسليم والاستسلام، فمن رام علم ما حظر عنه علمه، ولم يقنع بالتسليم فهمه، حجبه مرامه عن خالص التوحيد، وصافي المعرفة، وصحيح الإيمان، فيتذبذب بين الكفر والإيمان، والتصديق والتكذيب، والاقرار والإنكار، موسوسا تائها، زائغا شاكا، لا مؤمنا مصدقا، ولا جاحدا مكذبا، ولا يصح الإيمان بالرؤية لأهل دار السلام لمن اعتبرها منهم بوهم، أو تأولها بفهم، إذا كان تأويل الرؤية وتأويل كل معني يضاف إلي الربوبية بترك التأويل ولزوم التسليم، وعليه دين المسلمين، ومن لم يتوق النفي والتشبيه زل ولم يصب التنزيه، فإن ربنا جل وعلا موصوف بصفات الوحدانية، منعوت بنعوت الفردانية، ليس في معناه أحد من البرية، وتعالي عن الحدود والغايات، والأركان والأعضاء والأدوات، لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات. 6- الإيمان بعلم الله: وقد علم الله تعالي فيما لم يزل عدد من يدخل الجنة، وعدد من يدخل النار جملة واحدة، فلا يزاد في ذلك العدد ولا ينقص منه، وكذلك أفعالهم فيما علم منهم أن يفعلوه، وكل ميسر لما خلق له. 7- الأعمال بالخواتيم: والأعمال بالخواتيم، والسعيد من سعد بقضاء الله، والشقي من شقي بقضاء الله. وللحديث بقية