أكثر من سبب دفعنا للكتابة حول سيد قطب في هذا التوقيت منها صدور كتاب "سيد قطب.. الخطاب والأيديولوجيا" للدكتور محمد حافظ دياب عن دار رؤية للنشر والتوزيع الذي يرسم من خلاله المؤلف ملامح الرجل الأكثر تأثيرا في فكر التنظيمات الراديكالية في العالم، وثانيها تزامن ذلك مع الجدل المثار إعلاميا وسياسيا حول فريق القطبيين الذي أحكم سيطرته علي جماعة الإخوان المحظورة قانونا من خلال الانقلاب الأخير الذي شاءوا تسميته انتخابات.. إضافة إلي القضية التي تنتظر الإحالة إلي القضاء والمتهم فيها خمسة من أعضاء مكتب إرشاد الجماعة إضافة إلي 17 من قيادات الجماعة. "إنه إنسان مسرف في التشاؤم، ينظر إلي الدنيا بمنظار أسود ويصورها للناس كما يراها هو أو أسود ما يراها.. استباح باسم الدين أن يستفز البسطاء إلي ما يأباه الدين من مطاردة للحكام، مهما يكن في ذلك من إراقة للدماء".. هذا مجمل ما انتهي إليه تقرير الأزهر حول كتاب "معالم في الطريق" لسيد قطب أهم منظري التيارات الدينية، الذي نهلت عنه جميع التنظيمات الأصولية المتطرفة في مصر والعالم، وإذا كان هذا هو الوجه القاتم من صورة "قطب"، التي يري الأصوليون عكسها تماما فإننا لسنا بصدد عرضها وحدها دون الوجه الآخر، وهو نفس الأسلوب الذي انتهجه المؤلف. عدة تحولات فكرية واجتماعية مر بها سيد قطب منذ ولد عام 1906 من أصل هندي في أسرة ليست عظيمة الثراء في أسيوط، مع انتقاله لها، كانت القاهرة عام 1921 تعج بالساسة والأدباء والفنانين والعملاء يناقشون قضايا الاستقلال والاشتراكية وغيرها.. بعد تخرجه عمل سيد مدرسا في دمياط وبني سويف ليستقر عام 1936 بحلوان الابتدائية إلي أن أصبح مفتشا بالتعليم الابتدائي، ثم في الادارة العامة للثقافة التي كان يرأسها أحمد أمين وقدم كتابين نقديين هما "كتب وشخصيات"، والنقد الأدبي ..أصوله ومناهجه. دخل قطب في معارك أدبية مع محمد مندور، ودريني خشبة وسعيد العريان، وأعجب في البداية بطه حسين وتركه ليتصل بالعقاد كاتب الوفد الأول حينئذ.. لم يكن مجرد تلميذ للعقاد، بل كان أقرب تلاميذه إليه، أشدهم تشيعا لأفكاره.. ثم ما لبثت علاقته بالعقاد أن ضعفت حين ثار بينهما جدال علي صفحات جريدة البلاغ الأسبوعي حول مقدمة ديوان نشره العقاد "أعاصير مغرب"، إضافة إلي وصفه شعر العقاد في ديوانه "وحي الأربعين" بأن فيه قسوة القالب، ما جعل الأخير يثور عليه. في هذه الفترة مر قطب بمرحلة ارتياب في عقيدته الدينية حيث تبخرت ثقافته الدينية الضئيلة وعقيدته الإسلامية، ونشر مقالا في الأهرام بتاريخ 17 مايو1934 دعا فيه دعوة صريحة إلي العري التام وأن يعيش الناس عرايا كما ولدتهم أمهاتهم. نقطة التحول الأهم في تاريخ منظر "الجهاديين" كانت عندما زار الولاياتالمتحدةالأمريكية مع نهاية 1948 في بعثة تدريبية حول التربية وأصول المناهج، نالها فجأة بالرغم من تجاوزه السن التي تشترطها البعثات، ويري الدكتور الطاهر مكي أستاذ الدراسات الأدبية بكلية دار العلوم إن ذهاب سيد قطب إلي الولاياتالمتحدة كان وليد تخطيط أمريكي خفي بعيد عن سيد نفسه. انتقد قطب الوجه المادي لأمريكا وتساءل عما تساويه في ميزان القيم الإنسانية، حين عاد الي مصر، قال تكلمنا في الشرق أكثر مما ينبغي وعلينا ان نصنع شيئا غير الكلام، فدعا الي اصلاح التعليم ومناهجه، واصدر كتاب "معركة الاسلام والرأسمالية"، تحدث فيه عن اربع مشكلات تواجه مصر كفضاء سياسي واجتماعي وهي : سوء توزيع الملكيات والثروات، ومشكلة العمل والأجر، وعدم تكافؤ الفرص، وفساد جهاز العمل وضعف الانتاج. في العام نفسه أصدر "السلام العالمي والاسلام" ذكر فيه ان المسلمين بحاجة مؤقتا الي المعسكر الشيوعي ليخيفوا به الطغاة والمستغلين، وكان اكثر المؤيدين لثورة يوليو مع قيامها وسخر قلمه لمؤازرتها منذ اللحظة الأولي واعتبرها "أعظم انقلاب في تاريخ مصر الحديث". وقع الاختيار علي قطب ليكون مستشارا لمجلس قيادة الثورة للشئون الثقافية والعمالية وكان "المدني" الوحيد الذي يحضر جلسات المجلس ورفع شعار ضرورة تطهير النقابات العمالية من الشيوعيين بهدف احتوائها وافراغها من العناصر التقدمية.. بعدها انضم الي جماعة الاخوان ليشرف علي قسم نشر الدعوة التابع لمكتب الإرشاد. علي خلفية محاولة اغتيال الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في حادث المنشية في اكتوبر 1954 تم اعتقال أعضاء الجماعة وكان نصيب قطب خمسة عشر عاما من الاشغال الشاقة، قضي اغلبها في مستشفي السجن الملحق به لسوء صحته.. ساعد ما عاناه قطب في المعتقل علي مراجعة شاملة للفكر الذي تتبناه الجماعة المملوء بالحقد علي الدولة والنظام، فأصدر عدة كتب منها: "هذا الدين" و"المستقبل لهذا الدين" وأخيرا "معالم في الطريق" الذي كفر فيه المجتمع ووصفه بالجاهلي وأصل لمبدأ الحاكمية الالهية واستعلاء المؤمنين "اهل جماعته"علي الكافرين "سواهم". في اغسطس 1956 اعتقل سيد قطب مرة اخري وقدم لمحاكمة اقر خلالها بوجود تنظيم سري وان هذا التنظيم قائم علي اساس انه فدائي ينتقم لما جري للجماعة عام 1954 وعندما سئل عن سبب موافقته علي رئاسة التنظيم برر ذلك بقوله: كي لا يركب الشباب رؤوسهم، اذا لم يجدوا قيادة تضبطهم وتؤمن تصرفاتهم الفردية، وصدر الحكم وتم اعدامه في العام نفسه.