في محاولتهم لبناء أجهزة أفضل لكشف الكذب يسعي العلماء إلي تجاوز الإشارات غير المباشرة للجسم والوصول إلي معقل الخديعة ذاته "الدماغ ".. لذلك قام الباحثون مؤخرا بصنع حزام يربط حول الرأس مجهزاً بأضواء ومجسات تستطيع " رؤية " التغيرات التي تطرأ علي جريان الدم داخل الدماغ، فيما قام آخرون ببحث آخر للتخطيط بالرنين المغناطيسي لالتقاط عدة صور خلال جزء من الثانية للدماغ. حزام حول الرأس ويقود بريتون تشانس عالم الفيزياء الحيوية في جامعة بنسلفانيا، مشروع الطوق أو الحزام الذي يلف حول الرأس والذي يستعمل الأشعة دون الحمراء لإلقاء نظرة علي اللحاء الجبهي للدماغ، وهو المكان الذي يتخذ فيه الإنسان القرارات، والمكان الذي يولد فيه الكذب. ويطلب الباحث من مرتدي الطوق أن يجيبوا علي بعض الاسئلة بصدق والبعض الآخر بالكذب. وفي اللحظة التي يقرر فيها المجيب أن يكذب، وحتي قبل أن ينطق، يحدث تدفق في جريان الدم لجزء من الثانية، فتسجل تدفق الدم هذا ليظهر بشكل خطوط علي شاشة الكمبيوتر المحمول. ويقول تشنس إنه قد يأتي اليوم الذي تبطل الحاجة إلي الطوق، وقد لا يحتاج المرء إلي أكثر من تصويب مجس نحو الناس من بعيد ودون معرفته لتحديد ما إذا كان صادق في أقواله أم لا. والمعروف أن أجهزة كشف الكذب التقليدية (البوليجراف) تقيس سرعة ضربات القلب والتنفس عندما يجيب شخص علي الاسئلة الموجهة إليه. ويشير النقاد إلي أنه من السهل التغلب علي البوليجراف، ويقولون إن الشخص الذي يجري استجوابه قد لا يحتاج إلي أكثر من الضغط علي دبوس يضعه في حذائه لكي يغش النتائج لمصلحته. ويقول هؤلاء إن الجهاز لا يمكن الاعتماد عليه بشكل قاطع، كما أثبت ذلك عميل السي. أي. إيه. السابق الدرتيش إيمس، الذي اجتاز امتحان البوليجراف واستطاع إخفاء عمله كجاسوس لحساب روسيا. ومع أن الدوائر الحكومية الفيدرالية تستخدم فحص البوليجراف لامتحان العاملين وطالبي الوظائف، إلا أن المحاكم لا تسمح بتقديم هذه الفحوص كأدلة. ويعتقد الباحثون أن التكنولوجيات التي يقومون بتطويرها قد تغير هذ الوضع، مع أن إتقان استعمالها قد يحتاج إلي عشرات السنين. ويقول ستيفن كوسلين أستاذ علم النفس في جامعة هارفرد الذي يدرس صور أدمغة الكذابين: " أشك أن يصل أي شيء في الحياة إلي مستوي الكمال 100 في المائة، بما في ذلك جهاز كشف الكذب. ولكن هل ستكون بحوزتنا تقنية جيدة تستحق أن تكون مصدرا للدليل؟ ربما ". تقنية الرنين وفيما ينصرف تشانس إلي تطوير طوق الرأس. يضع أحد الباحثين في جامعة بنسلفانيا، وهو عالم النفس دانيال لانجلبن، متطوعيه داخل نوع من أجهزة التخطيط بالرنين المغناطيسي ويطلب منهم أن يكذبوا فيما يقوم الجهاز بتصوير أدمغتهم. ويكشف الجهاز الرنيني الذي يستعمله لا نجلبن الجزء الدماغي الذي ينشط استجابة لحفز محدد. وقد طلب من المتطوعين أن لا يكشفوا عن ورقة لعب اعطاها لهم. وبعد ذلك تم وضعهم داخل جهاز الرنين المغناطيسي بغية استجوابهم بواسطة كمبيوتر، وقال لا نجلبن إن جزءا من أدمغتهم يضيء عندما يكذبون. ويشدد تشانس ولا نجلبن علي أن المرء لا يستطيع أن يغير ما يحدث داخل دماغه عندما يكذب، ولذلك من المستحيل إلحاق الهزيمة بجهاز يستطيع أن يسجل هذه التغيرات بدقة، أما جهاز البوليجراف، بالمقابل، فإنه يسجل الخوف من افتضاح الكذب، وأعراض ذلك الخوف يمكن إخفاؤها. ويتوقع الباحثون أن تصبح أجهزة كشف الكذب الدقيقة أداة مساعدة للمحاكم والشرطة، وبوسع الأطباء أيضا أن يعرفوا ما إذا كان المرضي غير صادقين عندما يصفون أعراضهم. بوسع الشركات أيضا أن تتأكد من صدق موظفيها. وربما كبار المديرين والمحاسبين. طريقة التصوير الحراري: ويدرس علماء آخرون طريقة " التصوير الحراري " التي تقوم علي تصويب كاميرا حساسة علي وجوه الناس لتسجيل ازدياد تدفق الدم حول العينين، وطريقة " التحليل الآلي للوجه"، وهي تعتمد علي الكمبيوتر لتحليل أصغر الأمارات والتغيرات علي الوجه، كوسيلة لكشف الكذب. وقد طور لورنس فارويل، عالم الأعصاب في أيوا، الذي يدير شركة brain finger printing laboratories ما يسميه ب " بصمة الدماغ "، والذي يركز علي موجة كهربائية دماغية محددة تدعي p 300 وهي تنشط عندما يري الشخص غرضا مألوفا. من جانبه، قال مدير البرنامج التكنولوجي لدي الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية، إلي أن ايا من التكنولوجيات الجديدة لم يثبت عملها علي النحو الذي يزعمه العلماء ولكن المستقبل سيحمل الكثير.