ربما أن الأزمة الحالية بين الولاياتالمتحدة واسرائيل حول المستوطنات هي ليست الأولي منذ قدوم باراك أوباما إلي البيت الأبيض لكن لا شك أنها الأكثر حدة حتي الآن بعد أن أحرجت تل أبيب واشنطن أمام العالم أثناء زيارة نائب الرئيس الأمريكي لإسرائيل بالإعلان عن بدء إنشاء 1600 وحدة سكنية جديدة بالقدس. التراشق الدبلوماسي في حرب كلامية هي الأشد منذ 53 عاماً صبغ التصريحات الأمريكية مؤخراً، إضافة إلي اعتراف بتدهور العلاقات الأمريكية الاسرائيلية علي لسان مايكل أورن سفير إسرائيل في واشنطن إذ قال إن الأزمة الحالية بين تل أبيب وواشنطن هي الأسوأ منذ عام 1975 حين أرغمت الولاياتالمتحدة اسرائيل علي الانسحاب جزئيا من سيناء بعد أن احتلتها. رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو سعي في الوقت نفسه للتقليل من خطورة الموقف، خاصة بعد تنديد الإدارة الامريكية بالمشروع الاستيطاني الذي اعتبرته "اهانة" للولايات المتحدة، وحذرت من أنه يدمر عملية السلام في الشرق الاوسط. منذ اللحظة الأولي انتقد كبار أعضاء الادارة الأمريكية الخطة الاسرائيلية وتوقيت الاعلان عنها، وهو ما دفع نتانياهو للتحرك سريعاً وتقديم اعتذاره عن توقيت الاعلان وكلف لجنة بالتحقيق في الأمر. اللوبي الاسرائيلي في أمريكا لم يهدأ بدوره، ونددت لجنة الشئون العامة الامريكية الاسرائيلية (ايباك) بالموقف الأمريكي معتبرة أنه "مثير للقلق"، داعية أوباما لاتخاذ اجراءات فورية لتهدئة التوتر مع الدولة العبرية. وفي أقوي هجوم دبلوماسي أمريكي، اتهم مارتن انديك السفير الأمريكي الأسبق في تل أبيب الحكومات اليمينية المتطرفة في اسرائيل علي مر الزمن بأنها تتعمد استغلال توقيت زيارات المسئولين الأمريكيين الكبار لإسرائيل للإعلان عن مشروعات استيطانية جديدة. ويسترجع انديك ما فعله نتانياهو خلال فترة ولايته الأولي وإعلانه عن التوسع في مستوطنة في قطاع غزة فور مغادرة مادلين أولبريت لاسرائيل، وهو ما اعتبر في حينه إثارة للعداء تجاه إدارة بيل كلينتون وأشار انديك الي أن ذلك جعل الناخب الإسرائيلي يعاقب نتانياهو بإسقاط حكومته في النهاية. لكن انديك لا يتوقع أن تتكرر النتيجة هذه المرة، فهو يعتقد ان نتانياهو يتلاعب باوراق اللعبة بجرأة شديدة بسبب كارت الملف النووي الإيراني الذي تشهره اسرائيل في وجه الناخب بالداخل وخسارة اوباما لتأييد الرأي العام داخل اسرائيل بعد خطابه للعالم الإسلامي من القاهرة. في الأوساط الفكرية الأمريكية، قال آرون ديفيد ميلر الباحث بمركز وودرو ويلسون انه لا ينبغي توقع أكثر من مجرد "كلمات خشنة" من أمريكا مؤكدا أن الأمر لن يتعدي ذلك، أما ديفيد ماكوفسكي الباحث بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدني اليميني فنفي أن يكون قرار اسرائيل بناء مستوطنات جديدة هدفه اختطاف ومن ثم إفشال زيارة صديق هو جو بايدن، فيما اعتبرت ميشيل دن الباحثة بمركز كارنيجي للسلام الدولي أن ادارة أوباما أفرطت في تفاؤلها حتي فشلت في تطوير استراتيجية جادة لإقناع الاسرائيليين والعرب كما لم تضع خطة (ب) في حال الفشل. وفي اسرائيل، فقال مسئولون بالليكود ان الضغط السياسي الأمريكي علي إسرائيل تحول إلي عدوانية من شأنها أن تقوض شراكة الأحزاب اليمينية بل تؤدي إلي التمرد داخل الليكود. اعرب ابراهام فوكسمان رئيس رابطة مكافحة التشهير اليهودية الأمريكية عن صدمته من النبرة الأمريكية التي تعتبر علي حد قوله غير مسبوقة لكونها بلهجة حادة ضد صديق و حليف قوي لأمريكا. ورأي ايتان جلبوع الخبير المتخصص في الشئون الأمريكية بجامعة بار إيلان أن الأزمة الحالية أشد من الأزمات السابقة بين الدولتين ، لأنها قبل أي شيء أزمة ثقة ، مضيفا أن الأمريكيين يريدون إسقاط نتنياهو، وأن الحكومة الإسرائيلية اقترفت أخطاء ولكن الرد الأمريكي مبالغ فيه . تطورات الأزمة ستتضح أكثر خلال الاجتماع المقبل بين نتانياهو وكلينتون في المؤتمر السنوي لمنظمة "ايباك" المقرر بين يومي21 و23 الشهر الجاري الذي من المنتظر أن يسعي منظموه لاحتواء الموقف لكي تعود المياه الي مجاريها بين الدولتين الحليفتين.