علي عكس كل المظاهر التي تحرص عليها إيران وتبدو فيها أنها غير مكترثة بما يدور حولها وتجاهها في العالم، فإنها تشعر الآن بقلق شديد. ولعل التحركات الاستعراضية والتصريحات الحادة لمسئوليها وفي مقدمتهم الرئيس أحمدي نجاد هي محاولة للتغطية علي هذا القلق، أو محاولة لتهدئة هذا القلق بالسعي للحصول علي تطمينات من الحلفاء والجيران. وقلق إيران متعدد الجوانب.. فهي تشعر بالقلق تجاه سوريا وتخشي بالفعل ابتعاد السوريين عنها مع مرور الوقت وتحسن علاقاتهم مع الغرب والأمريكان واستئناف المفاوضات غير المباشرة مع الإسرائيليين بوساطة تركية. وخلال الفترة الماضية ساورت إيران الشكوك تجاه سوريا، خاصة بعد الإعلان عن عودة السفير الأمريكي لدمشق والمحاولات التي تبذل بشكل حثيث لاستكمال مسيرة المصالحات العربية التي يتم من خلالها استعادة سوريا عربيا.. وبغض النظر عن التطمينات السورية لإيران حول استراتيجية علاقاتهما ومتانتها، إلا أن سوريا مهتمة بالقطع باستئناف مفاوضاتها مع إسرائيل من أجل استعادة الجولان، بل تطلب مع الوساطة التركية رعاية أمريكية، وهي تعرف أن ذلك سوف يكلفها ثمنا يتعين أن تدفعه من علاقاتها بإيران. وهذا تحديدا ما يقلق إيران من سوريا وتركيا علي حد سواء.. فهي تخشي بالفعل استئناف الوساطة التركية بين سوريا وإسرائيل، لأن ذلك لا يبعد سوريا فقط عنها، وإنما يمنح تركيا أيضًا دورًا سيخصم من الدور الإيراني في المنطقة. وربما ذلك ما يشعر الإيرانيين بالقلق تجاه الاتراك وإن كانوا لا يستطيعون الآن الإفصاح عن هذا القلق في الوقت الحالي في ظل الإقبال التركي عليهم ومحاولة الاتراك التوسط بينهم وبين الغرب في مشكلة ملفهم النووي. كما أن القلق الإيراني يمتد إلي أفغانستان أيضًا.. ولعل زيارة الرئيس نجاد إلي كابول مؤخرًا جاءت في هذا الإطار مثلما جاءت زيارته إلي دمشق قبلها. إيران لا تريد لأفغانستان استقرارًا يمهد لانسحاب أمريكي منها، لأن أمريكا إذا انسحبت من أفغانستان مثلما سوف تنسحب من العراق، فإنها ربما تتفرغ لإيران عسكريًا مستقبلاً. أما استمرار تورطها في أفغانستان فإن ذلك يقلل من احتمالات قيامها بتوجيه ضربات عسكرية لإيران سواء بشكل مباشر أو من خلال إسرائيل، ومن هناك جاء قلق إيران تجاه دعوة الرئيس الأفغاني كرزاي لإجراء مصالحة مع حركة طالبان.. وكان لافتاً للانتباه أن الرئيسين الإيراني والأفغاني لم يذكرا شيئًا حول هذه المصالحة في كابول، بينما خصص كرزاي زيارته لإسلام آباد للحصول علي مساعدة الباكستانيين في هذا الموضوع مثلما فعل في زيارته للسعودية قبل بضعة أسابيع مضت. وإذا كان الإيرانيون قد استخفوا باتهامات أمريكية لهم بأنهم يدعمون طالبان، فإنهم لا يستطيعون أن ينكروا أنهم يدعمون ومنذ سنوات قلب الدين حكمتيار أحد قادة المجاهدين بالمال والملاذ الآمن، وهو الذي يتحالف علنا مع طالبان وتشارك قواته معهم في العمليات ضد حكومة كرزاي، ومن يدعم حلفاء طالبان فإنه بالتالي يدعمهم! أما الخليج فهو مصدر قلق آخر لإيران.. وقد عبرت عن هذا القلق بتحذيرات لعدد من الدول الخليجية من احتمال استخدام أراضيها كقواعد انطلاق للقوات الأمريكية التي قد تهاجم إيران وتوجه ضربة عسكرية لمنشآتها النووية. ولكن ربما يسبق هذا القلق قلق آخر، هو القلق من اشتراك دول الخليج في العقوبات الاقتصادية الجديدة التي يتم الإعداد لها أمريكيًا وأوروبيًا ضد إيران. لقد كثر الحديث عن دور هذه الدول لحث كل من الصين وسوريا علي تأييد المشروع الأمريكي للعقوبات الجديدة علي إيران، وذلك بالتعهد بسد النقص أو التراجع في إمدادات النفط الإيرانية للصين، وسد العجز في التجارة الإيرانية مع روسيا. وهكذا في الوقت الذي يتظاهر فيه الإيرانيون بالقوة فإنهم يشعرون بقلق كبير.. واحذروا رد فعل من يمزقه القلق.