يري المراقبون والمختصون في الشأن الإيراني, أن طهران قد نجحت إلي الآن في كسب الجولة الأولي والثانية من الحرب علي ملفها النووي الهادف إلي إنتاج أسلحة نووية حسب الرواية الغربية. فرغم ما تملكه أمريكا والدول الغربية من قوة وجبروت, إلا أنهم لم يستطيعوا السيطرة علي دفة الحوار, فلا لغة الترغيب نفعت ولغة التهديد أرعبت. في حين ان طهران ماضية في طريقها لا تلتفت وراءها محاولة كسب المزيد من الوقت دون أن تتوقف عن تنفيذ خطتها النووية, صارخة في وجه المجتمع الدولي لماذا انتم ونحن لا, مؤكدة أنها لن تتراجع عن برنامجها النووي رغم الضغوط الدولية المتزايدة عليها بهدف إقناعها بوقفه, لان ذلك ببساطة وعلي حد وصفها حق من حقوقها في أن تستخدم التكنولوجيا الحديثة في أغراضها المدنية. وبالفعل أعلن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد أمس الأول أنه طلب من المسئولين في بلاده البدء بانتاج يورانيوم عالي التخصيب مشيرا إلي عدم التوصل إلي اتفاق حول تبادل الوقود النووي بعد اختبار قوة استمر أكثر من ثلاثة اشهر. وكانت حكومة طهران قد وعدت الإيرانيين بنبأ سار يتعلق بتخصيب اليورانيوم بنسبة20% وذلك خلال الاحتفال بذكري الثورة, ووصفت هذا الخبر بالتقدم العلمي الكبير لإيران. ويأتي موقف الرئيس الإيراني مناقضا لما أعلنه منذ عدة أيام بأن إيران مستعدة لتبادل الوقود النووي. واقترحت خطة بديلة تقضي بتبادل الوقود النووي المنخفض التخصيب مع الدول الأخري مقابل الوقود النووي العالي التخصيب في وقت متزامن علي أراضيها. ولكن نجاد الذي اعتاد العالم علي تصرفاته غير المتوقعة صرح في افتتاح معرض لتكنولوجيا الليزر في طهران أمس الأول ما يعني أنه كان ينوي إعطاء الدول الكبري مهلة شهرا أوشهرين للتوصل إلي اتفاق ولكنها بدأت تتلاعب ثم وجه نجاد حديثه لعلي أكبر صالحي رئيس الوكالة الإيرانية للطاقة الذرية الذي كان بجانبه في المعرض قائلا:( الآن دكتور صالحي ابدأ بإنتاج اليوروانيوم المخصب بنسبة20% بواسطة أجهزتنا للطرد المركزي). وقوبل إعلان نجاد الأخير ببدء انتاج يورانيوم عالي التخصيب باستياء شديد في الغرب ومن المعروف أن الدول الغربية تخشي أن تستخدم إيران برنامجها النووي المدني في أغراض عسكرية وعلي الأخص برنامج تخصيب اليورانيوم بدرجة عالية. حيث أبدت لندن قلقها مما اعتبرته انتهاكا لقرارات الأممالمتحدة. بينما طالب وزير الدفاع الأمريكي روبرت جيتس المجتمع الدولي بتشكيل جبهة موحدة للضغط علي إيران. كذلك استقبل المشاركون في مؤتمر الأمن في ميونخ أمس الأول إعلان نجاد بردود فعل غاضبة وهدد السيناتور جوليبرمان الذي يرأس لجنة الاستخبارات في الكونجرس الأمريكي بتوجيه ضربة عسكرية إلي إيران إذا واصلت العمل علي انتاج قنبلة نووية. ويري بعض المحللين أن جيتس كان يقصد توجيه رسالة للصين التي دعت الدول الكبري إلي مواصلة المحادثات بدلا من من فرض عقوبات جديدة علي طهران. وهناك تقارير صحفية تتحدث عن احتمال اجراء مناورات عسكرية موسعة في الخليج اذ لا يوجد ادني شك انها استعراض قوة أمام إيران. وبما أن أحدا في واشنطن اوغيرها لم يستبعد الخيار العسكري في التعامل مع الجمهورية الإسلامية يبقي أيضا احتمال الحرب كحل عسكري لا يزال قائما. وربما يسعي الأمريكيون كما يقول محللون كثيرون لتهدئة الإسرائيليين كي لا يقوموا بعمل عسكري منفرد ضد إيران يجر من ورائه كارثة في المنطقة. وبالطبع لا يمكن التكهن بشيء فرسميا يسعي الجميع إلي حل سلمي لوقف طموحات إيران النووية. ويعتمد الغرب الطرق الدبلوماسية للتوصل الي اتفاق لضمان ألا تصل قدرات ايران في تخصيب اليورانيوم الي حد انتاج قنبلة نووية. وتحتاج الدبلوماسية احيانا لقوة عسكرية تدعمها اذ يكفي التلويح بها للردع والضغط. لكن سلوك إيران حتي الآن وعدم تنازلها بما يكفي من وجهة نظر الأسرة الدولية وحتي من يعارضون التوجه الأمريكي البريطاني مثل الصين وروسيا ليس مشجعا. ولا تستطيع إدارة الرئيس اوباما ان تبقي هكذا في وضع يراه الكثيرون ضعفا أكثر منه حكمة وروية.ويبقي وجه الخلاف وهوأن العالم الآن يمر بازمة اقتصادية لم يتعاف منها تماما وان الحرب مكلفة. والسعي لفرض عقوبات جديدة ربما يكون انسب في الوقت الحالي وتشمل هذه العقوبات توسيع نطاق الحظر المفروض علي تنقلات الأشخاص الذين يشرفون علي البرنامج النووي الإيراني والأسلحة الاستراتيجية وتجميد أصولهم المالية المودعة في الخارج, إضافة إلي فرض قيود مالية علي مصرفها المركزي. وتعتبرهذه الخطوة أولية لأن واشنطن وحلفاءها الأوروبيين بريطانيا وفرنسا وألمانيا يسعون إلي انتزاع موافقة روسيا التي لم تبد حماسا لتشديد العقوبات علي إيران والصين التي تعارضها بشكل علني. ويعتقد الخبراء الامريكيون بأن الصين ستواصل العمل مع الأسرة الدولية في مواجهة التحدي النووي الإيراني في الوقت الذي نفت واشنطن تقاريرعن توتر متزايد مع الصين. والواضح للعيان ان طهران أمام جبهتي حرب: داخلية وخارجية اي ما بين المطرقة والسندان. أسئلة كثيرة واجهت قادة الثورة الاسلامية في ايران لتحديد مسار النظام الجديد تتناول شئون الحكم وشكله واقتصاد الدولة وهويتها. وربما استطاع النظام الثوري اتخاذ القرارات. ولكن سؤالا واحدا يعيد طرح نفسه بشكل دوري خصوصا عندما ينتخب رئيس جديد للجمهورية الاسلامية: ما مدي الاندماج المفيد في النظام السياسي العالمي؟. القادة الايرانيون يدركون ان الاجابة علي هذا السؤال ليس في اذهانهم فحسب بل في تطبيقاتهم وممارساتهم السياسية ستحدد مواقف الآخرين تجاههم. والآخرين.