لابدّ من العودة إلي البديهيات. هل يمكن التوفيق بين منطق الثورة ومنطق الدولة في لبنان؟ الجواب بكل بساطة أن ذلك ليس ممكنا. لا الدولة تستطيع تحمل الثورة ولا الثورة تستطيع تحمل الدولة. لذلك، يمكن وصف الحوار الوطني الذي دعا إليه الرئيس ميشال سليمان بأنه حوار طرشان. الفائدة الوحيدة من الحوار المحافظة علي السلم الأهلي، ولو مؤقتا، ومنع السلاح الميليشيوي من اجتياح بيروت مجددا واستباحة حرمة منازل أهل العاصمة خدمة للمشروع الإيراني، وإلي حد ما، السوري. كل ما تطمح إليه إيران، التي باتت تتحكم إلي حد كبير بسوريا، إبلاغ العالم أنها تسيطر علي بيروت وأنها قادرة علي مد نفوذها وسطوتها إلي البحر المتوسط. كل ما تبقي تفاصيل ودوران في حلقة مفرغة تحت شعار ما يسمي "المقاومة". المقاومة تعني عادة أن يكون هناك هدف محدد لابد من مواجهته. مشكلة لبنان مع المقاومة تتلخص بأن المطلوب حاليا التزام القرار 1701 الصادر مع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في أغسطس من العام 2006، هل لبنان قادر علي احترام بنوده والتزامها أم لا؟ ذلك هو العنوان الوحيد المفترض لأي حوار وطني، في حال كان مطلوبا أن يكون هذا الحوار بين احرار وليس بين فريق مسلح تابع للمحور الإيراني - السوري يمتلك آلاف العناصر المسلحة وآلاف الصواريخ من جهة وبين فريق آخر يؤمن بثقافة الحياة والحوار الحضاري من جهة أخري. لو كانت هناك جهة لبنانية قادرة بالفعل علي إدارة حوار وطني بين متساوين، لكان طبيعيا ان يكون القرار 1701 محور الحوار. هل وافق لبنان علي القرار أم لم يوافق عليه؟ إذا كان لبنان وافق علي القرار، هناك عندئذ واجبات والتزامات علي الدولة اللبنانية. هل تستطيع الدولة اللبنانية احترام هذه الواجبات والالتزامات التي تضمنها القرار 1701 أم لا؟ هل هناك من يريد أن يتذكّر لماذا صدر القرار وما الأحداث التي سبقت صدور القرار، أم المطلوب تجاهل أحداث الماضي القريب بدل السعي إلي الاستفادة منها وتفادي تدمير جزء من لبنان، أو كل لبنان، مرة أخري؟ بعيدا عن المزايدات والمزايدين، يبدو ضروريا سرد شريط الأحداث كما هو. انتهت حرب صيف العام 2006 بصدور القرار 1701، جاء صدور القرار نتيجة اضطرار الجانبين إلي التوصل إلي وقف لإطلاق النار. لم تعد إسرائيل قادرة علي متابعة عدوانها في ضوء الجهود التي بذلها غير طرف، خصوصا الحكومة اللبنانية برئاسة بطل وطني وعربي اسمه فؤاد السنيورة، وذلك من أجل وقف العدوان. كذلك، لم يعد المجتمع الدولي علي استعداد للوقوف مكتوفا أمام ما يتعرض له المدنيون اللبنانيون علي يد آلة الحرب الإسرائيلية وإرهاب الدولة الذي تمارسه. كان لابد من وقف الحرب التي لم تعد سوي غارات إسرائيلية علي أهداف مدنية داخل الأراضي اللبنانية. وافق "حزب الله" علي القرار 1701 الذي لم يصدر تحت البند السابع من ميثاق الأممالمتحدة بفضل الجهود التي بذلتها قطر ممثلة في الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني رئيس الوزراء وزير الخارجية. كانت قطر تمثل وقتذاك المجموعة العربية في مجلس الأمن. ولكن ما لا يمكن تجاهله في الوقت ذاته أن "حزب الله" وافق علي نص القرار كما وافق قبل ذلك علي كل كلمة وكل حرف في النقاط السبع التي تقدمت بها الحكومة اللبنانية التي كان همها الأول وقف العدوان الإسرائيلي حماية للبنان واللبنانيين. لا داعي إلي الدخول في نقاش عقيم محوره سلاح "حزب الله". هذا السلاح انتهت صلاحيته منذ صار سلاحا موجها إلي صدور اللبنانيين. أهل بيروت وأهل الجبل خير شهود علي ذلك وعلي الوظيفة الحقيقية لهذا السلاح. ليس في استطاعة أي دولة في العالم قبول التعايش مع سلاح غير شرعي في خدمة محور خارجي لا همّ له سوي تقويض مؤسسات الدولة... وإثارة الغرائز المذهبية. المطروح بكل بساطة نقل النقاش إلي حيث يجب نقله. هل لبنان قادر علي احترام القرار 1701 بغض النظر عمّا إذا كانت إسرائيل تخرقه أم لا؟ عندما تخرق إسرائيل القرار عبر طلعاتها الجوية، فإن ذلك يوفر فرصة للبنان كي يعزز موقفه في المواجهة السياسية معها. لكن المؤسف أن السلاح لا يزال يتدفق من الأراضي السورية علي الحزب بما يخالف كل بند من بنود القرار إضافة إلي روحه. في النهاية هناك روح لأي قرار يصدر عن الأممالمتحدة. هذه الروح هي التي تفسر اسباب صدور القرار والأهداف المطلوبة. لم يكن للقرار 1701 ان يصدر لو لم يكن المجتمع الدولي موافقا علي إقامة منطقة عازلة بين لبنان وإسرائيل تشرف عليها القوة الدولية المعززة... ليس مطلوبا سؤال حزب الله" عن سلاحه. وظيفة السلاح باتت معروفة في لبنان. المطلوب سؤال ممثل "حزب الله" قبل بدء الحوار هل هو مع القرار 1701 أو ضده؟ عندما يقول إنه مع القرار، يفترض أن يكون هناك من يتلو عليه نص القرار. هل لبنان دولة أم لا؟ هل لبنان دولة تحترم القرارات الدولية... أم منطق الثورة هو الذي يتحكم بالدولة؟ ما الذي يريده "حزب الله" في نهاية المطاف... أو علي الأصح ما الذي تريده إيران من لبنان؟ هل في استطاعة "حزب الله" الاجابة عن مثل هذا السؤال كي يكون هناك مجال لحوار وطني يخدم الدولة اللبنانية بدل أن يكون هناك حوار لا فائدة منه سوي تقطيع الوقت ليس إلاّ؟