عاصرت ابان دراستي في الاتحاد السوفيتي السابق مرحلة سميت بالركود التي ترأس فيها الحزب والدولة برجينيف ثم تشيرنينكو ثم اندرويوف ثم جورباتشوف حيث تفكك الاتحاد السوفيتي وترأس روسيا يلتسن ثم بوتين وصولا إلي ميدفيديف. ومن برجنينت إلي جورباتشوف كنت أعيش هناك ومن يلتسن حتي ميدفيديف كنت أزور روسيا أو أتابع من بعيد ما يحدث. والخبراء في الشئون الروسية يدركون أن سقوط النظام الشيوعي تم من داخله "جورباتشوف" وقاد المرحلة الانتقالية "يلتسن" ومن المرحلة الانتقالية إلي الاستقرار "بوتين" ثم "ميدفيديف" في أكبر عملية تحايل علي الدستور شاهدها العالم حيث يتبوء الوريث "ميدفيديف" الرئاسة كمحلل للرئيس السابق ورئيس وزرائه الحالي بوتين حتي يعود إلي سدة الرئاسة من جديد ومن المعروف أيضاً أن جميع الرؤساء من جورباتشوف وحتي ميدفيديف تولوا مناصب عليا في جهاز المخابرات السوفيتية السابق "كي. جي. بي" التي ترتبط بالمؤسسة العسكرية الروسية العتيدة ورغم أن النظام الشيوعي تغير إلا أن نفوذ المؤسسة العسكرية وجهاز المخابرات ظل كما هو مهما تغيرت الأسماء والرئاسات. حتي أن الحزب الشيوعي "يسار النظام الحالي" بقي في المعارضة يلعب دوراً أساسياً وبرلمانياً كبيراً.. ومن يتابع الشئون الروسية يجد أن كبار العسكريين بعد خروجهم للتقاعد أما ينضمون للحزب الحاكم أو الحزب الشيوعي والقليل منهم ينخرطون في السياسة كمستقلين.. وهكذا في الدول الكبيرة وذات الحضارة العتيدة مثل روسيا التي انتقلت من الشمولية إلي الليبرالية تغيرت النظم وبقيت المؤسسات في صورتها الانتقالية الجديدة بل وبلدا وقارة مثل الصين تغير التوجه بعد "ماوتوسي تونج" من الشيوعية إلي الليبرالية الاقتصادية والتحرر في ظل بقاء النظام الشيوعي بالصين إلي مطاردة الولاياتالمتحدةالأمريكية اقتصادياً. علي العكس من ذلك نجد بلداناً كانت جزءاً لا يتجزأ من الاتحاد السوفيتي أو المعسكر الشيوعي السابق مثل أوكرانيا وجورجيا من جهة وبولندا من جهة أخري وكذلك العراق من جهة ثالثة. القاسم المشترك بين كل هذه البلدان أن التغيير تم من الخارج وعبر الحراك الإعلامي الذي تحول إلي ثورات إعلامية ذات ألوان مختلفة أهمها اللون "البرتقالي" في أوكرانيا وجورجيا أو استخدام آليات المجتمع المدني المرتبط بمؤسسات دولية مثلما حدث في بولندا.. أو عبر معارضة شبيهة "بالكونترا" في نيكارجوا والعراق مرتبطة بالعسكرية الأمريكية وتأتي للحكم تحت أسنة رماحها وفي الأمثلة السابقة التي تغيرت فيها الأنظمة وتحطمت المؤسسات والدولة بفعل الاستقواء بالخارج أما إعلامياً أو مالياً أو عسكرياً سقطت الدولة مع الأنظمة وعمت الفوضي البلاد مثل ما حدث في العراق أو صارت الدولة تابعة مباشرة للخارج مثل جورجيا وأوكرانيا أو تابعة اقتصادياً وسياسياً مثل بولندا كل هؤلاء الذين صاروا عساكر "درك" وارتبطت مصائرها شأنهم شأن إسرائيل بأدوارهم كمخالب القط.. أو رهنا بالتوازن الجديد بين روسياوالولاياتالمتحدة. وهناك نموذج آخر للتغيير الدامي مثلما حدث في يوغسلافيا السابقة أو يحدث في السودان الآن وربما اليمن بعد ذلك.. حيث يتم الاستقواء من الخارج عبر دعم جماعات أقليات عرقية أو دينية بالسلاح والمال والإعلام لإحداث حروب أهلية تنتهي بتفكك الدولة وربما اليمن في الطريق. وهناك نماذج أخري انهارت فيها الدولة والمجتمع مثل الصومال وما يحدث الآن بين فتح وحماس في فلسطين واضمحلال مشروع الدولة والقضية. تري إلي أين يقودنا الحراك الإعلامي والجهات والمنظمات المتعددة الأسماء في مصر المحروسة التي تجمع بين طياتها مثيلا لتلك المكونات السابق الإشارة إليها والقاسم المشترك الأعظم بينها وبينهم هو الاستقواء بالخارج ماليا وإعلاميا تارة باسم العمل الأهلي وأخري باسم الحرية الإعلامية والفضاء الإلكتروني ويا وطن قل لي رايح علي فين؟