من حقي أن أقيم دعوي قضائية علي التليفزيون المصري، وعلي هيئة الأرصاد الجوية ، وسوف أستند إلي الأضرار المعنوية الكبيرة التي أصابتني من جراء.. لاحظوا التعبيرات القانونية التي من شأنها أن تحقق نجاح المذكرة لافتا إلي عملي في مكتب للمحاماة في صدر شبابي كمعاون لسكرتير محامي سلم ، والحكاية تبدأ من إيماني الشديد بالعلم الذي يؤكده الإيمان، وتصديقي منقطع النظير لنشرات أخبار بلدي التي أؤمن بمصداقيتها، ومن ثم مصطلح لغوي عكسه "نفض" أعتمد علي نشرات الأخبار في ضبط تحركاتي، وهي تفوق في عددها تحركات ناخب برلماني، خاصة إذا أضفنا إليها ترددي علي السوق مرتين يوميا حديث الصباح والمساء مرة علشان ألحق عربية الخضار ومرة لعربية الفاكهة وحدث أنني جلست مع ملايين المشاهدين سوف أطلب نصف مليون منهم للشهادة معي أتابع النشرة الجوية، في يوم الخميس الأخير من شهر فبراير القصير أحسن علشان المرتب يقضي ، وعندما استمعت إلي التيمة الموسيقية التي تبشرنا بالنشرة الجوية صحت مهللا: هيييييه!، وناديت علي أولادي خاصة بنتي اللمضة التي تريد أن تذهب إلي المدرسة بملابس صيفية..وتقسم أن الجو حلو قوي يا بابا.. قلتلهم جميعا.. اسمعوا عمو مذيع النشرة ها يقول إيه.. واللي ها يقوله أنا موافق عليه! وكنت قد أخبرت زوجتي بأنني من المحتمل أن أسافر الي البلد جمعة وسبت؛ لأن لي مصلحة هناك فيها خير..خير، والحقيقة هي أن ابن خالتي غلبني في الطاولة الشهر الماضي، وأنني ذاهب لتخليص حقي.. هذا لو وافق عمو مذيع النشرة الذي أحترمه جدا وأسمع كلامه جدا..جدا حتي لو ما كانش صح! ما هي إلا لحظات وجاء عمو ممسكا بعصا سحرية، وبدأ يتحرك برشاقة يمينا ويسارا، وخريطة مصر كلها الله أكبر أمامه.. وفجأة أظلمت الدنيا كلها أمام عيني، وهو يقول وكأنه متأكد.. يسود طقس سيئ علي البلاد يقصد مصر بلدنا ، وأمطار رعدية علي القاهرة والدلتا وسيناء.. بنتي قالت هالبس صيفي برضه.. أنا حاسة إن الجو جميل.. من جانبي نهرتها بشدة "أحسن عمو يسمعك"، وأعلنت أنا أمام بناتي باعتباري قدوة أنني لن أسافر احتراما لكلام عمو وعصاه التي يشير بها فوق خريطة مصر كلها، واستيقظت وأنا أدعو الله العلي القدير أن يخفف عنا شر ذلك اليوم السيئ زي ما عمو قال، وإذا بالشمس ساطعة، وبنتي ارتدت الصيفي ونزلت، وزوجتي تسألني عن الخير الذي وعدت به، فيما أنا أطلب منها الانتظار ضامما أصابعي ومتوعدا بطقس لم تره مصر كلها.. وإذا باليوم يمر علي أروع ما يكون.. ولكن بعد أن ضاعت السفرية وعشرة الطاولة وفرصة الثأر علي ابن خالتي! وفي السياق إليكم هذه القصة اللطيفة: كنا في مدينة "كان" الفرنسية علي الساحل الفرنسي "الكوت دا زور" وحدث أنني كنت أتحدث مع أحد الأصدقاء الفرنسيين لو عايز تخليها صديقة تمشي ، وقلت له لها بالفرنسية الشرقاوية، اعتمادا علي كتاب " تكلم الفرنسية من غير معلم "، في نهاية حوارنا: نلتقي صباح بعد غد، فإذا بالصديق الصديقة تقول، فلنجعل موعدنا عند العصر، فقلت كمن يتفهم الموقف ويجد لها عذرا: آه.. فهمت .. عندك عمل في الصباح. وهنا كانت المفاجأة: لا .. بل إن السماء سوف تمطر في الصباح " بعد غد" في حوالي الثانية عشرة.. ويستمر المطر الشديد والجو الملبد بالغيوم لعدة ساعات، حيث ينتهي سوء الطقس عند الثانية أو الثالثة، وبعد عشر دقائق سوف يكون الجو مناسباً للقاء والانطلاق نحو أهدافنا؟ كان "الصديق" الصديقة تتكلم وكأنها قرأت الغيب، وكانت اللغة غريبة علي شخص مثلي من العالم الثالث حي شرق القاهرة ، الذي يخاف دوما المستقبل ويجهله، حتي ولو كان الخالق عز وجل قد أمرنا أن نتدبر وأن نتأمل وأن نعي ما حولنا، وأن نسيطر علي بعض مظاهر الطبيعة في تمردها علينا أحيانا! فسألت سؤال المندهش : وكيف علمت هذا.. هل هو مزاح؟ وجاءني الرد : لا.. ألم تستمع إلي النشرة الجوية في التليفزيون تقصد التليفزيون الفرنسي بالطبع. وكانت المفاجأة أن كل ما قاله لي الصديق لو تمشي خليها الصديقة الفرنسي لو ينفع خليها الفرنسية حدث بالفعل! أتذكر دائما هذه الواقعة، وأنا أستمع إلي النشرات الجوية في تليفزيون بلدي، وهي تبشرنا بسقوط الأمطار، فإذا بالشمس مشرقة في جو ربيعي معتدل.حار جاف صيفا..دافئ ممطر شتاء!