أعرف أن مقالاتي الثلاثة السابقة: "العودة إلي زمن رابسو"، و"رابسو وسافو"، و"سجائر فرط"، صدمت البعض.. بعض من البعض جرت له عملية تنشيط ذاكرة واعادته المقالات إلي زمن لم تكن فيه مصر بخير.. ولا تقارن بالحال الحالي. وبعض آخر من نفس البعض وجد فيما كتبت أنه ينسف ما يتم ترديده حول حال البلد.. وإيهام الشباب بأن شيئاً لم يحدث وأننا نعيش في خرابة. نحن نريد لمصر مزيدًا من التطور. ولكن علينا ألا نبخس الانجاز حقه. لا نريد أن نجلد انفسنا ونحن نستحثها. ولا أن ننتحر ونحن ندعو للتقدم. مصر تستحق ما هو أفضل.. ولكن الواقع الذي نحن فيه لا يقارن بما كانت عليه.. والموضوعية تقتضي أن نسجل للتاريخ الفضل لمن نقلها بطريقة نوعية غير مسبوقة. لقد بدأت هذه السلسلة الثلاثية من المقالات، وقد أصبحت اليوم رباعية، لأن جريدتين في يوم واحد نسفتا قيمة ووزن البنية الأساسية المصرية في يوم مطير.. وها هي الأعاصير تضرب أعتي الدول بعد ثلاثة أيام من مانشيتات تلك الصحف.. اعصار زينيتا ضرب كلاً من فرنساوألمانيا.. فنجد أن فرنسا تطلب العون من الاتحاد الأوروبي ونري ألمانيا في حالة ارتباك.. وفي كلتا الدولتين بنية تحتية فائقة بالتأكيد تتجاوز ما لدي مصر من تجهيزات. فقط هذه الوقائع التي وردت بالمصادفة في دول أخري ترد علي المتربصين المتبترين.. وتقول أننا لا نعيش في خرابة. ولا نعيش بالطبع في جنة. ولكننا لا نعيش في الضياع. بلدنا تطورت وتقدمت.. ونريد لها المزيد.. وللمزيد شروط.. وأغلب تلك الشروط يقع علي عاتق الناس الذين قد يرفضون تطورا لأنه يمس مكاسبهم أو لأنهم لا يقبلون الجديد.. وكثير من تلك الشروط يرتبط بمعوقات يفرضها الاعلام المناوئ للوطنية.. المردد لروح الاحباط والخذلان والتشويه. ووصلتني بصور مختلفة تعليقات متنوعة علي ماكتبت.. اطرفها من قارئ قال إنه لا ينبغي أن استخدم الحديث عن التدخين للتدليل علي المتغيرات.. يقصد مقال "سجائر فرط".. لأن هذا في رأيه "دعوة للتدخين".. وهذا بالتأكيد ما لم أقصده.. وأتفهم وجهة نظره. ومنها تعليقات ذكرتني بأن سعر زجاجة عطر "البروفسي" لم تكن 16 جنيهاً.. بل أربعة جنيهات ونصف الجنيه.. ورغم ذلك فقد اقتضت من جارتي في حي الظاهر أن تدخر أشهر لكي تشتريها.. وأذكر هذا علي سبيل التصويب والتأكيد علي الحالة الاجتماعية التي كنا نحياها. ومن التعليقات من قال لي أن هناك فرقًا بين وجود السلعة وبين امكانية شرائها. في الزمن الماضي لم يكن موجودًا أي شيء.. ولم يكن متاحًا بالتالي أن نحصل عليه. الآن هناك الكثير من التنوع المتاح أمام المواطن.. لكن الناس يتفاوتون في امكانية الوصول الي المتاح.. وهذا في حد ذاته انتقال.. لا ينفي المطالبة بمزيد من الاجراءات التي تؤدي إلي العدالة الاجتماعية.. مع العلم بأنه لن يأتي الزمن الذي يمكن أن يحصل فيه أي شخص علي كل شيء في وقت واحد.. ولو حكمنا نبي منزل. ومن التعليقات كذلك من قال لي إن الفساد لم يكن كما هي الحال الآن. وأن الحياة كانت أكثر طهرا ونقاءً.. وأقول لصاحب التعليق.. عفوا.. لست علي حق.. الفساد كان موجودًا ولم يزل.. وهو في كل بلد.. ولو شئت لخصصنا لك بابًا في "روز اليوسف" يرصد لك وقائع الفساد اليومية في مصر والعالم كل يوم.. وهي أكثر من أن تحصي.. الفرق هو أن في مصر الآن إعلامًا وشفافية.. وبما يتيح للناس الاطلاع علي ما يجري وعلي الاتهامات التي تلاحق المفسدين.. والمشكلة التي نتجاهلها هي أنه إذا كان في الادارة فاسدون فإن في المعارضة من هم ليسوا فوق مستوي الشبهات علي الاطلاق.. ودع الطابق مستورًا. إن مصر بلد كبير.. تطور.. وتقدم.. ولابد أن نساعده جميعا علي أن يحقق ما هو أفضل.. بدون أن نعطل الاصلاح.. وبدون أن ننشر روح اليأس.. وبدون أن ننكر الواقع الذي تغير.. وبدون أن نري أن مصر خرابة.. فهي ليست كذلك علي الاطلاق.
الموقع الإليكترونى: www.abkamal.net البريد الإليكترونى : [email protected]