"البلد مليانة فلوس" عبارة يرددها بعضنا كلما قرأ أو سمع أو شاهد أو لاحظ أو اكتشف حجم الأموال التي "يلهفها" من لا يستحق أو تنفق في الهواء في مظاهر "الفشخرة" و"المنظرة"، أو يربحها أصحاب المهن والأنشطة الطفيلية التي تضر أكثر مما تفيد، أو "يكتم عليها" سماسرة المال العام والمتاجرون بأقوات الناس. وبما أننا نعيش أجواء الاحتفال بمنتخبنا الوطني لكرة القدم بعد تحقيق الإنجاز الإفريقي الرائع وإدخاله البهجة والسعادة والفرحة في قلوب كل المصريين داخل وخارج البلاد فإن الطبيعي ألا تدوم مظاهر الاحتفال إلي الأبد وسنعود مجدداً بكل تأكيد لنعيش أجواء كوارث القطارات وحوادث الطرق والمشاجرات أمام أفران الخبز وحول مستودعات أنابيب البوتاجاز. وسيركز الإعلام قريباً بكل تأكيد علي انتخابات مجلس الشعب والانتهاكات والتربيطات والصفقات علاوة علي المواد ذات الصلة بالشئون الحياتية للناس، وبدلاً من أخبار الإنجازات سيعود الحديث عن الاخفاقات، وعوضاً عن الحديث عن مظاهر الفرح والاحتفال ستأتي "الولولة" والصراخ والكآبة. لكن من المهم أن نلفت الانتباه إلي حقوق صانعي الفرح علينا حتي لا ننسي بفعل الزمن نوايا محاربي الإنجازات وكارهي كل نجاح. والحكاية بدأت عبر تلميحات البعض والغمز واللمز الذي بدأ يدور حول مكافآت اللاعبين والأموال التي سيحصدها حسن شحاتة؟! حتي قبل أن تبرد نار الانتصار المدوي بدأ أصحابنا القر علي اللاعبين ومدربهم. بقدر السعادة التي أدخلها شحاتة وأبناؤه في قلوب شعب لا يعرف طعم السعادة إلا قليلاً يستحق "المعلم" وتلاميذه كل الخير وأكبر المكافآت وأرفع الأوسمة. نعم حقق أعضاء الفريق وجهازهم الفني مجداً شخصياً لكل منهم لكنهم أيضاً حققوا مجداً لبلدهم وشعبهم. نعم هي مجرد لعبة رياضية لكن "اللعب" لدينا صار أهم من "الجد" طالما "اللعب" يحقق السعادة بينما لا ننال من الجد سوي التعاسة. إذا كان تجار الموت نالوا بالحرام خير مصر و"شفطوا" أموال البلد بعدما باعوا أبناءها، وسرقوا أرضها، وضربوا سمعتها، فإن تجار السعادة من أعضاء الفريق الوطني وجهازهم الفني يحق لهم أن ينالوا بالحلال كل الخير أوسمة وأموالاً ومكانة وحباً من كل القلوب، تماماً كما فازوا بالجهد والتخطيط والعرق والتفاني والإخلاص باحترام العالم ونالوا الكأس الأفريقية. إذا كنا نعيش عصراً صارت فيه الراقصة أهم لدي البعض من الأديب، وأصبح فيه الفاسد أكثر شهرة من العالم، وبات فيه المرتشي صاحب نفوذ يفوق المفكر والمبدع والمكافح، وقفز فيه معدومو الضمير إلي واجهة الصورة التي تواري في "خلفيتها" أصحاب الضمير، فإن القيم لا تموت، والتاريخ لا ينسي صناعه، ومن أمتعونا ب"اللعب" أفضل بكل تأكيد ممن تلاعبوا بنا. لا يعني الكلام فتح باب التبرعات لجمع أموال وتقديمها إلي الفريق فالإنجاز الذي حققه شحاتة وأبناؤه "أكرم" من أن يكافأ بالتبرعات والهبات وما يجود به القادرون، لكن المهم أن ندرك كلنا أن كل من أسهم في "الفرحة" أصبح نموذجاً ومثالاً وقدوة ويستحق كل تقدير وثناء ومكافأة. صحيح أن هناك من أبناء هذا الشعب من يحتاج إلي "الملاليم" وليس الملايين، لكن الصحيح أيضاً أن الاعتراف بالحق فضيلة وأن لإعطاء الحق لأصحابه مغزي وأن مكافأة الذين اسعدوا أنفسهم وكل من حولهم قد يقودنا في مرحلة أخري إلي الاعتراف بحقوق كل أفراد الشعب في العيش الكريم. ويبقي لأبطال القارة السمراء الجميل محفوظاً ويكفي أنهم خلال السنوات الست الأخيرة منحوا هذا الشعب رفاهية السعادة كل سنتين وليس علينا إلا أن نرد الجميل حتي لو كان بيننا من لا يقرون إلا "بجمايلهم" وهي عندنا ليست إلا خطايا.