أوضحت الأرقام الرسمية النهائية التي أذاعتها الصين في ديسمبر الماضي أن إجمالي الناتج المحلي الصيني قد بلغ 16 تريليون يوان "1.9 تريليون دولار" في عام 2004 وذلك بزيادة 17% عما كان معروفا من قبل.. وهذه الزيادة البالغة 265 مليار دولار يرجع معظمها "93% منها" إلي قطاع الخدمات في الاقتصاد الصيني.. وتبعا لذلك فإن نصيب قطاع الخدمات في إجمالي الناتج المحلي يقفز 9% إل يأعلي ليصبح 41% مقابل 46% لقطاع الصناعات التحويلية ونحو 13% للصناعات الأولية وهي أساسا الزراعة والتعدين. والسؤال المهم الذي تطرحه مجلة "الإيكونوميست" هو: من أين جاءت هذه الزيادة في قطاع الخدمات بالصين؟ وتجيب المجلة قائلة إن أي زائر للصين المعاصرة سوف يلفت انتباهه أن الناس أصبحت أغني،وأنها تحتاج إلي المزيد من المطاعم والبارات والمتاجر والمدارس وتجار السيارات والمكتبات والمستشفيات الخاصة وفصول تعليم اللغة الانجليزية وصالونات التجميل للرجال والسيدات وغير ذلك من مختلف أنواع الخدمات.. والحقيقة أن إيرادات معظم هذه الأنشطة لم تكن تظهر في السابق ضمن الجداول الاحصائية للدولة الصينية التي كانت تركز علي الإنتاج السلعي في الأساس.. كما أن هذه الأنشطة صغيرة الحجم في الغالب كان أصحابها يحرصون علي إخفاء نشاطهم للتهرب من الضرائب أي إنها كانت أنشطة تنتمي إلي ما يسمي بالاقتصاد غير الرسمي. ومن جانبه يؤكد لي ديشوي مفوض مكتب الاحصاء القومي الصيني أن معظم الأنشطة التي ظهرت ضمن احصاءات الناتج المحلي الإجمالي في السنوات الأخيرة تنتمي إلي ثلاثة أنواع أولها هو أنشطة تجارة الجملة والتجزئة والمطاعم والثاني هو أنشطة النقل والتخزين والاتصالات والخدمات البريدية.. وفي حين لا تزال خدمات الاتصالات والبريد مملوكة للدولة ويمكن قياسها بسهولة فإن هناك أكثر من مليون شركة صغيرة للنقل يعتبر قياس وتسجيل إيراداتها من الأمور الصعبة. أما النوع الثالث من الأنشطة فهو أنشطة قطاع العقارات الذي يزدهر كثيرا في العديد من المدن الشاطئية ومدن الداخل أيضا ويجتذب أموال القطاع الخاص والفردي من الداخل والخارج علي السواء.. وتنشط إلي جواره بالطبع أعمال المهندسين المعماريين وخبراء الديكور وغير ذلك من الأعمال المصاحبة للازدهار العقاري. ومع ذلك تقول "الإيكونوميست" إن ازدهار قطاع الخدمات في الاقتصاد الصيني يرجع إلي ما هو أكثر من خدمات الشحن وتشطيب الشقق والتجارة فقد شهدت الصين في السنوات الأخيرة نهضة في قطاع الميديا والخدمات التكنولوجية بما في ذلك الانترنت والخدمات المالية مثل التأجير وخدمات التعليم والترفيه.. وعلي سبيل المثال فإن الصين بدأت علي نطاق ضيق تنافس الهند كمصدر لبيع الخدمات الجاهزة بما في ذلك بعض أنواع الخدمات القانونية والتكنولوجية. ولاشك أن النمو الاقتصادي السريع في الصين قد زاد من الطلب علي خدمات المحاسبين والمحامين والمصرفيين وكل أنواع الخدمات الاستشارية.. كما أصبحت هناك حاجة متزايدة لخدمات المتخصصين في التسويق والإعلان والعلاقات العامة.. وقد كان للثروات الجديدة أيضا ثمارها حيث يوجد في الصين حاليا نحو مليون حارس أمن إلي جانب احتياجات الأثرياء من مختلف الأنواع وتشمل جراحي التجميل وعيادات علاج الحيوانات الأليفة وغير ذلك. وفي نفس الوقت صار في الصين سوق واسع للتعليم الخاص لتلبية احتياجات أبناء الطبقة الوسطي في تعليم أرقي من التعليم الحكومي المتدهور ولتوفير احتياجات الشركات من العمالة الماهرة وتنفق الأسرة الصينية علي التعليم أكثر من أي شيء اَخر عدا السكن وقد تضاعف إنفاق الأسر علي الكورسات والكتب والمواد التعليمية عما كان عليه عام 2002 ليصبح 90 مليار دولار في عام 2005 وبدأت الأسر الثرية تتجه إلي السياحة وصار حجم سوق السياحة الصيني حاليا 100 مليار دولار ستزيد 300% مليار دولار في غضون عقد واحد من الزمان وذلك حسب تقديرات مجلس السفر والسياحة العالمي. ومما تقدم يمكن القول بأن قطاع الخدمات الصيني صار قطاعا متطورا يبلغ حجمه حاليا 779 مليار دولار وهو يماثل تقريبا حجم قطاعات الخدمات في كل من اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان ومع ذلك فإن نسبة قطاع الخدمات الصيني إلي إجمالي الناتج المحلي تظل أقل من المستوي السائد في البلدان المتقدمة حيث تتراوح النسبة بين 60 و75% وتظل أقل حتي من الهند حيث تبلغ نسبة قطاع الخدمات فيها 52% من إجمالي الناتج المحلي. ولكن كثيرين يعتقدون أن قطاع الخدمات الصيني أكبر كثيرا مما هو مسجل في الاحصاءات الرسمية الصينية خصوصا إذا وضعنا في الاعتبار تحيز النظم الاحصائية الشيوعية للسلع علي حساب الخدمات وهو تحيز لا تزال اَثاره مستمرة في الصين حتي الاَن.