ينطلق القلم علي الورق فرحًا وابتهاجًا عندما أشاهد فيلمًا جيدًا وجميلاً، ولكنه يتلعثم ويتعثر أمام أي فيلم متواضع وركيك، هنا تتعطل لغة الكلام وتعجز عن وصف حالة الاستياء والقهر جراء مشاهدة الأعمال البدائية والركيكة، ومن هذه النوعية المؤسفة والمزعجة معًا فيلم أحاسيس الذي كتبه د. أشرف حسن في أولي تجاربه، والذي أخرجه المخرج هاني جرجس فوزي في ثاني تجاربه بدون رقابة، والفيلمان يشتركان في الركاكة والسذاجة في كل عناصر العمل تقريبًا. في بدون رقابة كان ضياع الشباب هو محور الحكايات، وقدمت المعالجة بصورة سطحية تجعل من فيلم مثل إحنا التلامذة - رغم الملاحظات عليه - تحفة بالمقارنة به، وفي أحاسيس يفترض أننا بصدد مناقشة مشاكل العلاقات الجنسية بين الرجل والمرأة داخل وخارج إطار الزواج، والنتيجة أيضًا متكررة: مواقف وأحداث تبعث علي الضحك من فرط السذاجة، وحوار مباشر يمكن أن تعتبره من أردأ وأضعف ما قدم في الأفلام خلال السنوات الأخيرة، وتحولات غريبة في مسار الشخصيات وصولاً إلي نهايات أخلاقية، وسيناريو مضطرب ومتلعثم تبذل جهدًا شاقًا لكي تتبين معالمه، وشخصيات رسمت من السطح لا تعرف لها عملاً ولا تقدم بأبعادها النفسية والاجتماعية، وحتي مشاهد الرقص وحمامات السباحة ولغة الأجساد والعيون تقدمها الكليبات علي الفضائيات طوال اليوم، ولم تعد علي الاطلاق من المشهيات التجارية في الأفلام، أي أن صناع فيلم أحاسيس مازالوا يتعاملون مع الجمهور بطريقة مخرجي السبعينيات والثمانينيات، ورغم أن الفيلم يحمل لافتة للكبار فقط إلا أن أحداثه لا يمكن أن يصدقها إلا الصغار.. فقط! ليس صحيحًا أن السينما ابتعدت عن دراسة العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة، ولكن الصحيح أن جرأة التناول قد تذبذبت نتيجة تفاعل عاملين: سقف الرقابة الذي ارتفع في السنوات الأخيرة، وسقف الجمهور الذي - علي العكس - اقترب أكثر إلي المحافظة والانخفاض، هناك أفلام بأكلمها في الخمسينيات تقوم علي حبكة جنسية صريحة كما في شباب امرأة وامرأة في الطريق ورنة الخلخال، وفي الستينيات تلمس بالايحاء أهمية العامل الجنسي في أفلام مثل الرباط المقدس والخائنة والنظارة السوداء، وفي السبعينيات كان هامش الجرأة أكبر في التناول خاصة في الأعمال المأخوذة عن روايات إحسان عبدالقدوس مثل أنف وثلاثة عيون وأين عقلي، وقدمت تنويعات مختلفة من الموضوعات محورها العلاقات الجنسية داخل وخارج إطار الزواج. قدم مثلاً سعد عرفة أزمة منتصف العمر بمدلولها الجنسي والرمزي في فيلم رحلة العمر، وقدم حسين كمال عدة أعمال في الثمانينيات تتعرض بجرأة لقضايا مسكوت عنها مثل العلاقة الحرة خارج الزواج في فيلم أيام في الحلال، ومثل الخيانة الزوجية في أرجوك.. أعطني هذا الدواء، بل واقترب من مناطق أكثر حساسية كما في فيلم العذراء والشعر الأبيض، وحتي الجيل التالي والأحداث قدم بعض النماذج الجرئية مثل أسرار البنات لمجدي أحمد علي الذي يتناول علاقات المراهقين الجنسية، وفيلم النعامة والطاوس لمحمد أبوسيف الذي يتحدث عن نموذجين في المجتمع المصري أحدهما يسرف في العلاقة الجنسية خارج الزواج مع العاهرات ويتفاخر بها كالطاووس، والثاني الذي تمثله الزوجة يخاف أصلاً من الجنس لأسباب تتعلق بالقمع والكبت والحوادث المؤلمة في الطفولة، ويشبه بذلك النعامة، والفيلم الذي يغلب عليه الطابع التعليمي يعري تأزم هذه العلاقة الساخنة الباردة، ولا ننسي بالطبع فيلم سهر الليالي الذي قدم دراسات ناضجة لمشاكل زوجية بعضها محورها الجنسي كما في العلاقة بين جيهان فاضل وخالد أبوالنجا، وهناك نموذج الزوج مدمن الجنس الذي جسده ببراعة فتحي عبدالوهاب مما كاد يدمر حياته الزوجية. الحكاية اذن ليست اختراعًا، ولا يكفي أن تقول انني أقدم فيلمًا يتناول موضوعًا مهمًا لأن الحساب سيكون علي المعالجات، ولو كانت الأفلام بموضوعاتها لكان أي فيلم ديني أو وطني فيلمًا عظيمًا، ولكن الحقيقة أن بعض هذه الأفلام يجعلك تفطس من الضحك وأنت تشاهده بسبب سذاجة المعالجة وضعف الأداء والمبالغة والمباشرة وكلها كوارث ستجدها في فيلم أحاسيس، مثل أعمال كثيرة يقوم الفيلم علي حكايات عن عدة ثنائيات يتم سردها بشكل متداخل ولكن بطريقة تخلو من الاحتراف والذكاء، الحكاية الأساسية أغرب من الخيال وبطلها إيهاب باسم سمرة، الذي لاتعرف له عملاً، والذي لا تراه إلا باكيا أو مترنحًا في أحد الملاهي، يفترض أنه ارتبط بعلاقة جنسية وعاطفية معاً مع سلمي (علا غانم)، ولكن لإصابته بورم خبيث قرر الانفصال عنها دون أن يخبرها بحقيقة مرضه كما يحدث في ميلودراما الخمسينيات، وبسبب ذلك تزوجت سلمي وانجبت من أحمد (ادوارد)، ورغم ذلك لم تنس أبداً قدرات الأخ إيهاب الجنسية التي تتكرر مشاهدها أمامنا علي مدار الفيلم، وبعد 7 سنوات من الزواج - تصوروا؟ قررت أن تطلب الطلاق، وأن تعود إلي إيهاب الذي يحاول أن ينسي ورمه في الملاهي مع صديقه مجدي (أحمد عزمي)، كما يقيم علاقة جنسية مع الراقصة نور (ماريا) التي سنكتشف فيما بعد أنها تحبه بجد مثل راقصات أفلام حسن الإمام. الرومانسيات، أما أحمد زوج سلمي - فهو يخونها مع سكرتيرته هند (إيناس النجار)، وأما مجدي صديق إيهاب فهو يخون زوجته المتحفظة في علاقتهما السريرية مع الراقصة التي تجسدها دنيا عبدالعزيز، ولدينا صديقة لسلمي هي داليا ( مروي) تخون زوجها لأنه يستمتع بمفرده في علاقتهما الجنسية. عليك أن تتحمل هذه العلاقات التي تمارسها شخصيات مسطحة قدمت بلا عمق يبرر تصرفاتها، إلهام مثلاً زوجة مجدي التي لعبتها راندا البحيري يتهمها زوجها بالبرود لأنه تعود علي العلاقات الصريحة مع العاهرات، أي أننا أمام أصداء العلاقة مصطفي شعبان وبسمة في النعامة والطاووس، ولكن إلهام تقدم معلقة في الفراغ دون أن تفهم سبب تحفظها، هل يرتبط بحادث في الطفولة كما في حالة شخصية بسمة؟ كل الشخصيات تقريباً تقدم بدون أدني حد من الدراسة، والمشكلة الأهم في الاستخفاف بعقل المتفرج بدفعه إلي تصديق ما يستحيل تصديقه، وتخيل معي أن زوجة صبرت علي زواجها سبع سنوات تتصرف كمراهقة فجأة وتحاول استعادة رجل لم تنس ذكرياتها الجنسية معه؟! وتخيل أن هذا الرجل الذي لعبه باسم سمرة يعيش بورم خبيث سبع سنوات كاملة ولا يفكر في إجراء جراحة إلا بعد هذه الفترة وكأنه مريض بالسكر مثلاً؟! تخيل - لو كان لديك الصبر والوقت - أن الزوجة الخائنة مروي سيتم طلاقها فتقرر التوبة وارتداء الحجاب وتربية طفلتها لترضي جمهور السينما النظيفة بعد أن داعبت جمهور السينما الأخري؟! وتصور أن إلهام ستعود إلي زوجها صاحب العلاقات المتعددة، ويبدو أنه استمع إلي نصيحة إيهاب بأن يكون أداؤه مع زوجته مختلفاً عن أدائه مع العاهرات لأن لكل مقال مقام، ويبدو أنها استمعت إلي نصيحة الطبيبة (عبير صبري) بأن تكون علي راحتها في الفراش مع زوجها. طوفان من السذاجة، ونهايات تحاول استرضاء مجتمع محافظ واستدرار دموعه علي إيهاب الذي مات تاركاً زوجة من الكباريه (ماريا) وحبيبة سابقة لا تنسي لمساته وقبلاته (علا غانم)، وصديقاً يقضي معظم وقته في الملهي (أحمد عزمي)! لقد ضحكت بصوت مرتفع وأنا أشاهد هذه التحولات والمواقف العجيبة والحوارات الركيكة، إيهاب مثلاً يقول لسلمي وكأنه يذيع نشرة الأخبار: أنا عارف الضغوط التي تعرضت لها مؤخراً علشان تتجوزي أحمد، وصديقه مجدي يكرر أكثر من مرة: مالك يا صاحبي مثل الببغاء، وماريا والتي تنطق اللغة العربية كالخواجات تقول لإيهاب: التوبة محتاجة عوامل مساعدة! وطبيب الأورام يقول لإيهاب عن نتيجة الاشعة: ده التطور الطبيعي للمرض اللي عندك! شعرت أيضاً بالرثاء لأن المخرج يستخدم امكانيات الصورة بطريقة أفلام السبعينيات مثل الكادر المائل ولقطات الأبيض والأسود والحركة البطيئة كما يقدم أغنيات ورقصات الملهي الليلي بأسلوب قطعات الفيديو كليب العشوائية، ولكن أسوأ ما فعله هو هبوط الايقاع تماماً بعد دقائق قليلة من بداية الفيلم، ربما كانت ديكورات رمسيس سليم هي أفضل محتويات الصورة مع التركيز علي السلم بمدلوله الجنسي المعروف (الصعود والهبوط)، ولكن ماذا يفعل هذا العنصر وحده إذا كان رأي المخرج ومدير التصوير هشام سري أن تكون مشاهد الحب الملتهبة بالأبيض والأسود بمجرد أنها حدثت منذ 7 سنوات؟! كيف يمكن احتمال فيلم يتجاور فيه اجتهاد باسم وعلا مع فشل عزمي وراندا وادوارد مع عدم صلاحية ماريا ومروي أصلاً لفن التشخيص؟!