اكد انعقاد مؤتمر دولي في لندن من اجل مساعدة اليمن وجود وعي أمريكي وأوروبي وحتي عربي لمدي خطورة الوضع في هذا البلد المهم من نواح عدة. في مقدمة هذه النواحي الموقع الجغرافي الإستراتيجي لليمن وتأثير ما يدور فيه بشكل مباشر علي المحيط، خصوصا دول مجلس التعاون الخليجي. كان مؤتمر لندن خطوة في الطريق الصحيح. لكنه كان خطوة متواضعة، ذلك ان المطلوب قبل اي شيء آخر مقاربة شاملة لمشاكل اليمن المتنوعة والمعقدة والتي لا يمكن عزل اي منها عن الأخري. علي سبيل المثال وليس الحصر، لا يمكن الانصراف الي ضرب "القاعدة" في اليمن من دون التساؤل عن الأسباب التي ادت الي انتشار هذا التنظيم الإرهابي في البلد. هل يمكن ل"القاعدة" وما شابهها الانتشار لولا الفقر والبؤس والجهل؟ أليست البرامج التعليمية المتخلفة من بين الأسباب الرئيسية التي تسهل انتعاش"القاعدة" ونشر الأفكار المتطرفة؟ من يستطيع انشاء مدارس حقيقية وحديثة من دون مساعدات خارجية في بلد فقير مثل اليمن؟ نعم، هناك تقصير من الحكومة اليمنية في مجال التنمية الشاملة ولكن لا بدّ من الاعتراف في الوقت ذاته بأنه كان هناك تجاهل عربي ودولي لخطورة ترك اليمن في حال بائسة بحجة الفساد وعدم صرف المساعدات بطريقة سليمة. هناك فساد في اليمن، لكن لا بد من الاعتراف بأن الفساد لا يعالج عن طريق وقف المساعدات وترك اليمن يقلع شوكة بيديه بهدف تصفية حسابات قديمة معه. في النهاية الجميع في مركب واحد. والمقصود بالجميع اليمن والدول القريبة منه والمجتمع الدولي. هل تستطيع الأسرة الدولية تحمل وجود صومال أخري في شبه الجزيرة العربية، في بلد يتحكم بباب المندب؟ ان يأتي الاهتمام باليمن متأخرا افضل من ألا يأتي أبدا، ذلك انه لم يكن طبيعيا ترك الأوضاع تتدهور في بلد يضم نحو ثلاثة وعشرين مليون نسمة يعاني من الفقر والتخلف بسبب شحة موارده الطبيعية، بما في ذلك المياه، والزيادة السنوية الكبيرة في عدد السكان. كذلك لم يكن طبيعيا ان تكون هناك تلك الهوة الكبيرة بين دول مجلس التعاون، الغنية عموما، من جهة واليمن الفقير من جهة اخري ... كان ترك اليمن من دون مساعدة الطريق الأسهل الذي يمهد للوصول الي قيام دولة فاشلة اخري لا تبعد كثيرا عن الصومال. من يتحمل قيام مثل هذه الدولة التي يسهل تحولها الي مصدر للبؤس والإرهاب في المنطقة كلها؟ ما الذي يمكن عمله الآن؟ أظهر مؤتمر لندن أن العالم اخذ علما بخطورة الوضع في اليمن. ولكن مرة اخري، من المهم تفادي التركيز علي "القاعدة" وحدها. ما قد يكون اهم من ذلك بكثير السعي الي توفير الأمل لليمنيين. علي سبيل المثال وليس الحصر، قد تكون افضل طريقة لمواجهة التمرد الحوثي الذي تدعمه ايران بشكل مكشوف، العمل علي تنمية المنطقة التي يتحركون فيها وهي منطقة شاسعة. مثل هذه العملية تفرض تعاونا وتنسيقا مع زعماء القبائل في المحافظات المعنية، خصوصا صعدة وعمران والجوف وحجة وذلك بهدف إقامة مشاريع معينة قد تكون صغيرة لكنها توفر فرص عمل لعدد لا بأس به من المواطنين. ان العمل علي استيعاب الظاهرة الحوثية عن طريق التعاطي الإيجابي مع قبائل المنطقة الممتدة من صنعاء الي صعدة ليس عيبًا. انه الطريق الأقصر الي حقن الدماء وقطع الطريق علي التطرف والمتطرفين من حوثيين وغير حوثيين... والتفرغ لمشاكل اخري لا يمكن تجاهلها. بين هذه المشاكل المحافظة علي وحدة اليمن بدل انتشار الفوضي فيه. في النهاية من يضمن، في حال انفراط الوحدة ان يعود الجنوب موحدا. من يضمن ألا تكون حضرموت دولة مستقلة تدور في فلك السعودية، فيما المهرة دولة اخري تريد الانضمام الي سلطنة عمان. اما المحافظات الأخري، فليس ما يضمن ألا تكون قواعد للتطرف والمتطرفين ما دام الفقر والبؤس سيدي الموقف فيهما. ما لا يمكن تجاهله انه اضافة الي الحرب في الشمال، هناك تململ في الجنوب. وهناك "القاعدة" التي لا تري الإدارة الأمريكية غيرها للأسف الشديد، علما بأن وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون سعت في الخطاب الذي ألقته في لندن الي تصويب الموقف الأمريكي عن طريق التأكيد ان هناك مشاكل اخري في اليمن غير "القاعدة". وهناك ازمة اقتصادية عميقة يعاني منها البلد وهناك نمو سكاني غير طبيعي. كل هذه العوامل يمكن ان تؤدي الي انفجار داخلي. لكن الصورة ليست كلها سوداء. في المقابل هناك مجتمع يمني عرف كيف يتأقلم مع التجربة الديمقراطية والتعددية الحزبية الفريدة من نوعها في المنطقة. استطاع اليمن المحافظة علي هذه التجربة التي ترافقت مع قيام الوحدة في العام 0991 ويبدو منطقيا ان يساعد المجتمع الدولي اليمن في تطوير التجربة الديمقراطية والحزبية علي الرغم من الصعوبات الضخمة التي تواجهها. فوق ذلك كله، هناك مؤسسات تابعة للدولة اليمنية. قسم من هذه المؤسسات جيد وفعال يمكن البناء عليه. لماذا لا تكون هناك إعادة نظر شاملة في النظرة الي اليمن؟ لماذا استبعاد التفكير في الاستعانة بالعمالة اليمنية في دول الخليج مجددا مع الاستثمار في الوقت ذاته بالإنسان اليمني. وهذا ممكن في حال انشاء معاهد تدريبية داخل اليمن نفسه تمهيدا لفتح الأبواب الخليجية امام العمال اليمنيين الذين سيصبحون عندئذ مؤهلين لممارسة وظائف معينة، حتي لو كانت متواضعة. يستطيع كل عامل يمني في الخليج المساعدة في إعالة ما لايقل عن خمسة اشخاص في اليمن. فتح ابواب الخليج امام العمالة اليمنية، بطريقة مدروسة طبعا، يساهم الي حد كبير في الحد من الأزمة الاقتصادية في البلد. لا بدّ من نقطة انطلاق. مؤتمر لندن يمكن ان يؤسس لمرحلة جديدة بالنسبة الي تعاطي المجتمعين العربي والدولي مع اليمن... شرط النظر الي النصف المليء من كوب الماء. الأكيد ان السلطات اليمنية تدرك ان هناك مسئوليات عليها تحملها بدءا بقبول تنفيذ الإصلاحات السياسية والاقتصادية المطلوبة. لكن علي المجتمع الدولي ان يدرك ايضا ان اهماله لليمن طوال الفترة الماضية لم يكن موقفا حكيما وانه يتحمل جزءا من مسئولية ما آلت اليه الأوضاع في هذا البلد. هل في الأمكان انقاذ اليمن؟ الجواب نعم. هناك معطيات تشجع علي ذلك. من بين المعطيات ان المجتمع اليمني قبلي في معظمه. وهذا يعني ان هناك قيما لدي هذا المجتمع تجعله قادرا علي التغلب علي الصعوبات والتأقلم مع التغييرات مهما كانت كبيرة!