استضافت لندن الأسبوع الماضي مؤتمرين أولهما عن اليمن والآخر عن أفغانستان. اثار المؤتمران اللذان كان التركيز فيهما علي الإرهاب اسئلة كثيرة. بدا وراء انعقاد المؤتمر المخصص لليمن وجود وعي دولي وعربي، ولو متأخر، لإمكان تحول اليمن إلي قاعدة ل"القاعدة". ولكن هل مشكلة اليمن تختصر بانتشار "القاعدة" ام هناك حالة خاصة اسمها اليمن ومشاكله المرتبطة أساسا بتعقيدات الوضع في هذا البلد الفقير ذي الموارد الشحيحة والموقع الاستراتيجي البالغ الأهمية؟ وهل في الإمكان التوصل إلي حل ما وحد أدني من الاستقرار في أفغانستان بمجرد ان يمد الرئيس الأفغاني يده إلي "طالبان"؟ بالنسبة إلي اليمن، يبدو ان هناك اتجاها إلي رعاية دولية للبلد، ليس وصاية في أي شكل، بما يؤدي بطريقة أو بأخري إلي استيعاب مشاكله. لم يكن المؤتمر الذي انعقد في لندن مؤتمرا للمانحين بمقدار ما انه استهدف التصدي للارهاب أولاً مع ايجاد طريقة لمساعدة البلد اقتصاديا بطريقة فعالة وصرف المساعدات المقررة منذ العام 2006 في مؤتمر المانحين بالطريقة التي يجب ان تصرف بها. في العام 2006، انعقد مؤتمر للمانحين وأقرت مساعدات كبيرة لليمن. لكن هذه المساعدات لم تصرف لأسباب لا تتحمل الحكومة اليمنية وحدها المسئولية عنها. لم تصرف هذه المساعدات ايضا لأسباب عائدة إلي انصراف المجتمع الدولي عن اليمن وعدم تفكيره بأهمية البلد إلا عندما يقع حادث ذو طابع إرهابي. نعم اليمن في حاجة إلي دعم كي يتمكن من التصدي ل"القاعدة" وغير ال"القاعدة"، لكنه في حاجة قبل أي شيء آخر إلي تنمية والي حضور دولي للإشراف علي إقامة مشاريع كبيرة توفر فرص عمل لليمنيين. اضافة إلي ذلك، لا مفر من التفكير في فتح الأسواق الخليجية أمام العمالة اليمنية ولكن بطريقة مدروسة طبعا. المهم ان تكون هناك خطة عمل عربية- دولية لمساعدة اليمن كي يتمكن من تجاوز مشاكله. هناك حاجة إلي التفكير في تنفيذ اصلاحات معينة علي الصعيدين السياسي والاقتصادي. وهناك حاجة إلي توعية اليمنيين إلي خطورة استمرار النمو السكاني بشكل غير طبيعي. وهناك حاجة إلي التنبيه إلي أهمية تطوير التعليم في اليمن علي كل المستويات والتصدي لظاهرة التطرف التي تتولي رعايتها مدارس وجامعات معينة. في أساس التطرف، غياب البرامج التعليمية المتطورة التي تجعل بعض المدارس تخرج اشباه أميين تتلقفهم "القاعدة" وما شابهها من منظمات تؤمن بالعنف والإرهاب. مشاكل اليمن من اقصي الجنوب، إلي اقصي الشمال مرتبطة ببعضها البعض. لكن المدخل إلي أي حل اسمه التنمية وليس الاكتفاء بشن حرب علي الإرهاب والشكوي من ان هناك بعض الأجهزة الرسمية المرتبطة بالحركات الإرهابية. اليمن ليس بلدا ميئوساً منه. ما يمكن ان يساعد في معالجة المشاكل اليمنية وجود مجتمع قبلي، بحسناته الكثيرة وبعض السيئات. يدرك هذا المجتمع جيدا معني انهيار الدولة ومؤسساتها وخطورة تحول اليمن إلي صومال آخر. ولذلك، ليس مستبعدا ان تكون هناك استجابة للاصلاحات حتي لو بدت انها مفروضة فرضا من الخارج. ولكن ألم يكن العرب موجودين بقوة في مؤتمر لندن وقد أخذوا علي عاتقهم المتابعة؟ بالنسبة إلي أفغانستان، يبدو الوضع فيها اصعب بكثير من اليمن. الكلام الجميل الذي قاله الرئيس حامد كرزاي عن المصالحة يظل كلاما في غياب القدرة علي التفاوض مع "طالبان" من موقع قوة. لماذا تقبل "طالبان" التفاوض ما دامت تمتلك المبادرة عسكريا وما دامت قدرتها علي شن هجمات تزداد يوما بعد يوم؟ لم يستطع الرئيس الأفغاني بناء قاعدة سياسية قوية ولا حتي قبائلية تساعد في التصدي ل"طالبان". كل ما في الأمر ان كرزاي ومعه الأمريكيين واعضاء حلف شمال الأطلسي يرفضون طرح الأسئلة الحقيقية. من بين الأسئلة هل هناك طالباني معتدل وآخر متطرف؟ ما العمل بالحديقة الخلفية التي اسمها باكستان والتي تحولت مصنعا لانتاج الإرهابيين والمتطرفين؟ وربما كان السؤال الأهم هل يمكن الفصل بين "طالبان" و "القاعدة"؟ يدفع الأمريكيون وحلفاؤهم ثمن الذهاب إلي العراق قبل الانتهاء من مهمة تنظيف باكستانوأفغانستان من الإرهاب بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 لا ينفع كل الكلام الذي يقوله هذه الأيام رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير عن انه كان سيفعل الشيء نفسه ويتخذ القرار نفسه في شأن المشاركة في حرب العراق لو عادت عقارب الساعة إلي خلف. كان بلير رئيسا للوزراء في العام 2003 ويتحمل مسئولية كبيرة عن كل نقطة دم سالت في العراق وعن كل جندي بريطاني قتل في أفغانستان. بكلام اوضح، ان السبب الرئيس الذي يجعل المصالحة مستحيلة في أفغانستان هو الاختلال الكبير في موازين القوي لمصلحة "طالبان" الموجودة بقوة في باكستان أيضا. لم يعد السؤال هل ستنتصر "طالبان"؟ السؤال ما الثمن الذي سيدفعه المجتمع الدولي والذي سيستمر في دفعه طوال سنوات من أجل تفادي الاستسلام ل"طالبان" ومنعها من الوصول إلي السلطة في أفغانستان؟ إن أي ثمن، مهما كان باهظا، يظل أقلّ كلفة من عودة تحالف "طالبان"- "القاعدة" إلي السيطرة علي أفغانستان... هناك أمل بإنقاذ اليمن في حال تحملت كل طرف معني بالوضع فيه مسئولياته. اما أفغانستان، فهي في حاجة إلي معجزة، خصوصا انه لا يمكن الفصل بين الوضع فيها من جهة والوضع في باكستان من جهة أخري. ربما ولّي زمن المعجزات. ولذلك سنشهد مستقبلا مؤتمرات كثيرة عن أفغانستان تطرح فيها الأسئلة نفسها في مقدمها كيف التعاطي مع "طالبان" من دون الاستسلام لها ول"القاعدة"؟ هل من جواب علي هذا السؤال؟