هناك من الأمثال والمأثورات ما يخص شعبا دون غيره كإرث ثقافي واجتماعي له وهناك أيضا أمثال ومأثورات تمثل إرثا عالميا يخص البشرية جمعاء بمعني أن الإنسانية ومنذ أمد بعيد قد استقرت علي ما يعرف بالبديهيات مثل الحكمة القائلة (بوجوب عدم السعي لاختراع الدراجة) ولكن علي ما يبدو أننا في مجتمعاتنا العربية لازلنا نعيش في مرحلة ما قبل البديهيات ورصد هذه الحالة من العمي عن بديهيات الحياة لا تحتاج الي عين فاحصة ولا الي خبرة (استراتيجية) بل يكفي فقط أن تكون مشاهدا عاديا للنشرات الإخبارية أو قارئا عابرا لأحداث التاريخ حتي يتسني لك وبمنتهي السهولة استبيان ما ندعيه. ولكي يكون كلامنا موثقا وليس مرسلا علي عواهنه نسوق ما نبغي قوله فيما يلي:- منذ نعومة أظافرنا (السياسية) ونحن نسمع عن المبدأ الاستعماري القائل (فرق تسد) ومعناه لا يحتاج الي بيان ولكن علي ما يبدو أن الأخوة في فلسطينالمحتلة لم يسمعوا بعد عن هذا المبدأ الأشهر علي الرغم من طول عهدهم بمقاومة مستعمر هو الأمكر من نوعه. وتتجسد هذه الحقيقة التي ندعيها وهي غياب طرح مبدأ فرق تسد عن عقليات القيادات الفلسطينية فيما هو حادث ويحدث. نظرة عابرة الي خريطة فلسطينالمحتلة نجد ان المساحة الكلية لفلسطين جري تقسيمها ببراعة استعمارية مذهلة - وهذا ليس غريبا علي المستعمر الماكر - فلم يعط المستعمر للفلسطينيين مساحة واحدة ليتكوموا فيها كوما بشريا واحدا ولكنه جعلهم علي جزءين منفصلين متباعدين (قطاع غزة والضفة الغربية) وياله من تقسيم. فياليت الاسرائيليين واعوانهم جعلوا الفلسطيين جميعهم في مساحة واحدة أيا كانت مساحتها وكثافتها السكانية ... فلو كان هذا ما حدث لصار للشعب الفلسطينيين أمل ولو بعيد في قيام دولته علي هذه المساحة ولكن لأن فلسطين محتلة بأكثر أهل الارض فقد جعلوا هؤلاء الماكرين الشعب الفلسطيني يعيش علي مساحتين كما ذكرنا وقد فعل هذا التقسيم أفاعيله علي مر التاريخ السالف والواقع الشاهد. ولنعد بالذاكرة إلي الوراء قليلا. الضفة الغربية لها ظهير أردني تحلم إسرائيل أن يكون هو الملجأ والملاذ للامتداد المكاني لاهل الضفة. وقطاع غزة له ظهير مصري ترغب إسرائيل أن يصبح هو بدوره امتدادا جغرافيا للقطاع. وهنا يبرز تساؤل يطرح نفسه وبقوة لماذا لم يجتح أهالي قطاع غزة ومقاتلو حركة حماس الجانب الآخر من القطاع لماذا لم يتدافعوا نحو الظهير الاسرائيلي ... هل القوات المسلحة المصرية هي التي تحتل قطاع غزة ... وهل مصر هي التي تحاصره؟!! شيء مذهل ... أنهم مثل ساكن طرده بلطجي من شقته ثم قذف به الي السلم فإذا بهذا الساكن المطرود يندفع نحو شقة جاره محاولا اقتحامها بدلا من ان يندفع نحو سكنه المحتل وان يحاول تحرير ملكه. هذا بالفعل ما أقدم عليه سكان القطاع وعلي رأسهم حركة حماس ذات الرايات الخضراء والتي يملكون مهارة في التلويح بها يحسدهم عليها جماهير الكرة. مصر ليست هي السبب فيما يعانيه سكان قطاع غزة بل علي العكس مصر تتحمل من جراء هذه المعاناة الكثير إن اسوأ ما يبتلي به شعب هو أن تحكمه قيادة خطابية يحكمها نسق غير عقلاني يعشق الهتاف ويقدس الرايات الرفرافة. إن اسوأ ما يبتلي به شعب هو ان تحكمه قيادة غير واعية بمقتضيات الواقع وسنة الحياة. لقد أخطأت حركة حماس خطأ كبيرا عندما لم تنقد تحت لواء الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً في الضفة الغربية لقد أجرمت حركة حماس جرماً كبيراً في حق القضية الفلسطينية عندما لم تخضع للرئيس محمود عباس - أيا كان رأيها فيه - لكي يصبح الفلسطينيون جميعهم علي قلب رجل واحد خاصة بعد المبادرة العربية المعروفة. لقد تجسد المبدأ الاستعماري القديم -فرق تسد - كأفضل ما يكون فيما حدث بين فتح وحماس ولكن حماس هي التي تتحمل المسئولية لان حركة فتح مقبولة عربيا ودوليا أما حركة حماس فلا هي مقبولة لا دوليا ولا عربيا وبهذا أوجدت اسرائيل داخل فلسطين كيانا فوضويا لا ضابط له. وتظل المعضلة الكبري في القضية الفلسطينية هي هذه الآفة اللعينة التي ما إن تبتلي بها قيادة من القيادات إلا ويكون مصير قيادتها الفشل والانحدار وما هذه الآفة إلا الرغبة في إرضاء الجماهير والطرب لسماع هتافهم الهادر. وعن دور الجماهير والرغبة في إرضائهم الحديث يطول هم مكمن الداء وفي مخالفتهم الدواء ولكن من يستطيع ومن يقدر ومن يقبل ان يتلقي هو الرصاصة الأولي.