بقاعة راتب صديق بأتيليه القاهرة افتتح الفنان الدكتور هيثم عبد الحفيظ معرضه الذي حمل عنوان "الحقيقة"، وفي بداية دعوة المعرض كتب الفنان كلمة حول الحقيقة قال فيها "كما أن للحقيقة أوجه كثيرة، فإن للوطن في لحظة ما صور كثيرة، قد تبدو متناقضة وحائرة، ولكنها تتعدد وتختلف باختلاف موقع الرائي وزواية الرؤية، إذ أن لكل زواية في الرؤية بعدها وظلالها ولكل موقع هواجسه وأحلامه ومن هنا تبدو حتمية الاختلاف، تلك طبائع الأحوال". هذه التساؤلات طرحها الفنان حول أوجه الحقيقة وحول الواقع والأشياء باحثا عن المضمون من خلال العناصر التي تعامل معها بصرياً في مخزونه وماضيه وحاضره، ليطرحها إلينا تشكيلياً وفنياً دون تفاصيل شكلية تشغله عن الجوهر. جاءت لوحات المعرض من أعمال التصوير التجريدية في المعالجة الفنية والتعبيرية المتمثلة في ثورة وتمرد الفنان علي كل ما هو واقعي، حاملة شحنة انفعالية تشكيلية ترجمها الفنان بأدواته الفنية، وصبغها وجدانيا بمفردات تشكيلية تؤكد مدي عمق التشابه بين مشاعر الفنان التشكيلي وبين مشاعر المتلقي، كلاهما يحاول الكشف والبحث عن حقائق الأشياء. الجانب التشكيلي التجريدي الذي تميزت به الأعمال يهدف إلي إعطاء المتلقي دورا أساسيا في قراءة العمل الفني بمشاركته الحسية وليس بتفسير الأعمال حرفياً مستخدما ضربات الألوان والمساحات والمفردات التي تقدم عملاً فنيا مستمرًا بلا توقف، يحمل مقدارا من الحيوية والنشاط الحركي. قدم الفنان عناصر لوحاته من خلال المفردات متناثرة ومنسوجة ضمن الألوان ورسمها بطريقة خطية بسيطة منها شكل الهرم الهندسي الفرعوني الذي يرمز لحالة استقرار ورسوخ المخزون التراثي الذي لا تتلاشي قيمته من عقل وإحساس الفنان والمتلقي، واستخدم عناصر أخري تقترب من أشكال الطبيعية من نخيل ونبات وزهور مختزلا تفاصيلها، هذه المفردات الرمزية الهندسية والنباتية تعتبر تمثيل للكتابات غير مفهومة لغويا، ولكنها تمثيل لنصوص تعبر عن سيناريو من الحياة الاجتماعية والإنسانية، وعدم توضيح أي معاني لهذه النصوص دلالة منطقية وذهنية من الفنان علي وجود الكثير من الحقائق والسيناريوهات الحياتية التي يرفض استيعابها وتصديق حقيقتها. وأكد الفنان هذا المعني في رسم هذه الرموز في منطقة ظل معتمة تماما ثم رسمها في مناطق ضوء صارخة مما يؤكد رأي الفنان حول أن للحقيقة أوجه كثيرة. أما القيمة الجمالية في الأعمال فنجدها متمثلة في ضربات الألوان والمساحات اللونية عميقة المعاني والتي تحمل أبجدية لونية متفردة، ونجد أن الفنان أبتعد في أعماله عن التدريج اللوني الملحوظ والمعتاد، ولم ينشغل بالتعددية اللونية والدرجات واهتم بالإضاءة التي نبعت من دلالة اللون النفسي والسيكولوجي، فقدم اللون الأسود معبرا عن حالة الصمت تمثيلا للحظة سكون وترقب مقصودة تحدث بالفعل بين الإنسان وذاته، واستخدامه للون الأحمر الناري المتمرد هو البطل الرئيسي في أغلبية اللوحات، فجاء اللون الأحمر في بعض الأعمال درجة من درجات الإضاءة المباشرة اللحظية، وجاء نفس اللون الأحمر في لوحات أخري عبارة عن مساحات مباشرة قوية، وكأنها عناصر تتسابق لكشف الغامض، واستخدم اللون الأصفر كمنشط بصري للمتلقي، ومن منطلق ميتافيزيقي، وارتباط كل من المتلقي والفنان بالأفق والسمو علي العالم المادي، استخدم الفنان اللون الأزرق في بعض اللوحات في تعبير عن علاقة روحانية عميقة وحميمة.