لم أرصد تصريحاً أو تعليقاً لمجدي أيوب محافظ قنا.. بعيد أحداث نجع حمادي الأخيرة.. كما أنني لم أصادف صوره في موقع الأحداث.. ولم تنقل عنه أخبار تقول إنه يتابع مجريات الأمور.. وإنه يدير الموقف ويجري اتصالات مختلفة.. بينما هو واقعياً قد أقام غرفة عمليات لكي تدير الأزمة المعقدة.. ومن المدهش أنه لم يزر موقع الحادث.. ولم يعفر قدميه بتراب نجع حمادي لكي يطيب خاطر الأهالي أو يعزيهم. لقد حضر المحافظ مجدي أيوب قداس عيد الميلاد في مطرانية قنا ليلة الأربعاء الماضي.. باعتباره محافظ الإقليم وباعتباره مواطناً مسيحياً.. وبعده خرج من القداس وركب الطائرة وسافر إلي القاهرة ليقضي إجازة العيد.. ثم عاد في الفجر إلي مكتبه بعد أن علم بالمأساة.. هذا هو المشهد الوحيد المرصود له.. وبخلاف ذلك فإنه لا يرد علي التليفونات.. ولا يتواصل مع الصحافة. كان الله في عونه . ولكن.. هنا معضلة لابد من التوقف عندها، فقد سمعت وقرأت اتهامات وانتقادات خلال الأيام القليلة الماضية من بعض الأصوات القبطية.. تتهمه بأنه لا يراعي انتماءه الديني.. وأنه يخلص لانتمائه للدولة أكثر من مسيحيته.. وهذا كلام لابد ألا يمر. مجدي أيوب هو أول محافظ قبطي.. هذا هو تعريفه الإعلامي.. لكن تعريفه الرسمي أنه محافظ مصري.. وعلي أساس تلك الصفة يفترض أن يتم التعامل معه.. كما أنه يفترض فيه أن يتعامل بهذه الصفة مع الناس.. ولكن يبدو أن الحساسية التي لا يفترض أن توجه إليه من الأقباط في قنا.. موجودة في داخله هو.. أكثر من غيره. من المعروف بالطبع أن هناك خلافاً حقيقياً بين أسقف نجع حمادي والمحافظ مجدي أيوب.. وقد شن الأسقف كيرلس هجوماً ابتزازيا علي المحافظ لم يرضخ له.. وفيما يبدو فإن منهج مجدي أيوب قد اختلف عن منهج عادل لبيب المحافظ السابق عليه والذي يتولي الآن محافظة الإسكندرية.. وكان بابه مفتوحا.. وكان بينه وبين الأسقف كيرلس مودة عميقة لم تعد موجودة بين مجدي وكيرلس . لكن المحافظ مجدي أيوب لديه أسلوب لا يقتصر في تأثيره علي كيرلس.. ومن المسموع عنه أنه لا يقابل الناس بسهولة.. وأن تفاعله الاجتماعي بعافية.. وبابه شبه موصد.. وتلك خصائص لا أعتقد أنها تصلح للتعامل مع مجتمع الصعيد.. لا في جانبه المسلم ولا في جانبه المسيحي . ويمكن أن نستوعب مثل تلك الأخطاء من محافظ عادي من أي نوع في أي محافظة في أي وقت.. لكن هذه الارتكابات والارتباكات لا يمكن لها أن تمر علي محافظ مثل مجدي أيوب.. من الواضح جداً أنه لا يستطيع أن يمتلئ بروح كونه نموذجاً تاريخياً.. سوف يبني عليه وعلي حالته.. وأن من واجباته بخلاف مهامه اليومية كمحافظ أن يرسي مجموعة من الركائز التي تعطي الفرصة للاستفادة من تجربته بأي شكل فيما بعد. لن تسعد الدولة حين يكون هناك خلاف بين كيرلس ومجدي.. ولن يكون هذا الخلاف زيتاً قبطياً في دقيق قبطي.. هو في نهاية الأمر خلاف بين أسقف ومحافظ ينبغي أن تكون للحكم عليه معايير موضوعية.. ولابد للمحافظ أن يبتدع طريقة لتجاوز الحرج.. وأن ينتبه إلي أن تعيينه جاء ترسية لقيم المواطنة وليس عليه أن يكون هو بتصرفه المتحفظ أول من يخترقها.. مع الوضع في الاعتبار أن الأسقف كيرلس نفسه حالة خاصة بينه وبين البابا شنودة ذاته خلافات معلنة. الذين ماتوا في مأساة نجع حمادي هم مواطنون مصريون.. والحادث له أبعاد أمنية خطيرة.. والخواطر كان لابد أن تطيب ويتم الربت عليها. وكان لابد لمجدي أيوب أن يتجاوز عما سبق وأن يذهب إلي نجع حمادي بعد الحادث حتي لو لم يقابل كيرلس.. فالأسقف ليس محافظاً للمدينة الحزينة.. وليس في الأمر ما يتعلق بشئون تخص كرامة. إن علي المحافظ أن يراجع نفسه وأن يستوعب أنه يمر بتجربة غير مسبوقة، وأن علي كاهله بخلاف كونه محافظاً أنواء وأعباء.. وأن المواقف التي يمر بها لابد أن تسفر في كل مرة عن نتيجة توضع كقاعدة.. لكنه اختار الطريقة الأسهل وهي الابتعاد والتزام السلامة التي تعقبها في الأغلب أنواع عديدة من الندامة. الموقع الإليكتروني: www.abkamal.net البريد الإليكتروني : [email protected]