النخبة هي كلمة برجوازية تعني ما يسمي بكريمة المجتمع في كل الطبقات، وتسمي هذه النخبة أحيانًا بالطبقة الوسطي، وإن كانت تلك النخبة دائمًا ما تتعامل علي أنها رائدة التغيير وقاطرة الإصلاح في كل زمان وفي كل مكان، ولا تخلو كلمة النخبة باستمرار من الإحساس بالتميز بل قل بالتعالي علي الطبقات والمستويات الأقل من تلك النخبة. ولكن النخبة بالمعني الثقافي فكان ويجب أن يظل لها دور ثقافي وطليعي لرفع المستوي الثقافي للجماهير، أما النخبة في الإطار السياسي فهي ما يطلق عليها الطليعة، تلك الكوادر السياسية التي تؤمن بهذا الموقف السياسي أو ذاك. وهي التي تعمل وسط الجماهير لزيادة وعي تلك الجماهير بهدف التوعية السياسية وتكوين الرأي العام الناضج كبداية لمشاركة سياسية جماهيرية وبنفس القياس فالنخبة الحقيقية هي تلك النخبة الأكثر نضجًا والأقدر تعبيرًا عن المجتمع والجماهير وهي التي تسبق الواقع بفنها وإبداعاتها الطليعية بهدف رفع مستوي الإحساس الغني والتأثير في خلق عواطف إنسانية ترقي بالذوق وبالقيم والأخلاقيات الشيء الذي يساهم في خلق حالة من التلقي الجماهيري للفن الراقي الذي يرقي بالإنسان. أما النخبة الاقتصادية فهي تلك النخبة التي تساهم برأسمالها وفي إطار مصلحتها الاقتصادية عن طريق لعب دورًا اجتماعي أو ثقافي أو تعليمي يساهم في الأخذ بيد المجتمع للنهوض. وكهذا فالنخبة الاجتماعية هي تلك النخبة التي تحافظ بقيمها وسلوكياتها علي القيم العليا للمجتمع كثوابت اجتماعية تساهم في المحافظة علي الهوية الاجتماعية للوطن، فهل توجد الآن مثل تلك النخبة؟ للأسف الشديد من الواضح أن المواطن الآن لم يعد يعرف أو يسمع أو يحس بهذه النخبة، حيث إن سلم القيم قد انهار بشكل غير مسبوق وفي كل مجالات الحياة، فما يسمي بالنخبة الثقافية الآن قد أصبحت أسيرة أبراجها العالية، فلا علاقة بإنتاجها الثقافي بالجماهير ولكن قد أصبح ذلك الإنتاج لتلك القلة النخبوية التي تتعامل مع ذلك الإنتاج من باب الوجاهة الثقافية. وذلك مع غياب دور حقيقي لما يسمي بالثقافة الجماهيرية وسط الجماهير والتي أنشأت تلك الثقافة من أجله، ناهيك عن غياب دور المسرح غيابا شبه كامل. ولا شك فإن النسبة الكبيرة المتفشية للأمية وسط الجماهير تسبب مشكلة حقيقية لغياب دور تلك النخبة الثقافية. أما النخبة السياسية وما أدراك بتلك النخبة. وللأسف الشديد فقد تنازلت تلك النخبة عن دورها طواعية، ودورها الأساسي هو العمل وسط الجماهير لكسب ثقة تلك الجماهير، ولكن تري تلك النخبة قد تقوقعت داخل مقار الحزاب وتحصنت وراء صفحات صحفها غير المقروءة فلا تعرف تلك النخبة طريق الشارع بل تعرف طعم الغرف المكيفة والجري وراء الوهم الإعلامي التليفزيوني والصحفي والخناقات والمواجهات مع بعضهم البعض حول مواقع افتراضية. وهؤلاء لا يختلفون عن زعماء تلك الحركات الاحتجاجية التي لا دور لها سوي اختراع مسمي للجري وراء الإعلام والظهور أو اختلاق معارك وهمية لا علاقة لها بالجماهير ولا مشاكل الجماهير ولا قضاياها. أما النخبة الفنية فعليها رحمة الله، فالآن قد تلاشت واضمحلت تلك النخبة أمام الجشع الرأسمالي لمنتجي الفن الآن الذين قد وجدوا أن الإنتاج الفني أربح من الجزارة وتجارة الخيش، حيث أصبح التقييم الفني للعمل الفني الآن وبدون منازع هو شباك التذاكر ولا يهم إن كان حصول الفيلم علي تلك الملايين نتيجة للمخدرات الفنية التي يحملها العمل الفني والتي تساعد علي تجميد الفكر وخمول العقل وتسطيح الوعي. وهنا يصبح من الطبيعي أن يتسابق المنتجون وراء التعاقد مع مطرب بحبك يا حمار ومع من علي شاكلته، وبهذا ولهذا انحدرت القيم وهبط الإحساس وتلاشي التلقي للأعمال الجيدة، وفي هذا المناخ بالطبع يصبح الحديث عما يسمي بالفن التشكيلي ومعارضته شيئًا من العبط في نظر الجماهير أو علي أقل تقدير تضييع وقت. أما الموسيقي فالندم كل الندم علي موسيقي وفرقة حسب الله، أما النخبة الاقتصادية وهم الآن من يطلق عليهم رجال الأعمال، وبالرغم من دور رجال الأعمال في العالم كله خاصة الأنظمة الرأسمالية وما يقومون به في إطار المساهمة في مشروعات تعليمية وثقافية وصحية وغيرها. فنجد أن رجال أعمالنا قد أخذوا كل شيء ولا يريدون أن يعطوا شيئًا واحدًا أخذوا كل التسهيلات وأعفوا من الضرائب واستولوا علي الأراضي وحصلوا علي كل ما يقيم لهم صروحهم الاقتصادية حتي المواقع السياسية لم يتركوها من الوزارة إلي مجلس الشعب ولا شيء غير ذلك. أما النخبة الاجتماعية، فلا شك وباعتبار أن المجتمع وحدة واحدة وكيان غير منفصل، فكل المجالات تتداخل مع بعضها البعض، فالاقتصادي يشكل السياسي والسياسي يؤثر في الاجتماعي والأخلاقي ولذا فانحدار وتساقط النخبة ودورها أصبح واضحًا وضوح الشمس في المجال الاجتماعي والقيم والأخلاقيات حتي العادات والتقاليد الاجتماعية والتي تميز بها المصريون منذ فجر التاريخ ضاعت وانتهت ولا وجود لما يسمي بالعيب، والأخطر هنا هو أن هذا أثر علي خصوصيات طالما تفاخرنا بها كمصريين مثل الجدعنة والشهامة والرجولة إلي آخر تلك الخصائص، فلا وجود لهذا الآن، فالألفاظ الشاذة وغير الأخلاقية قد أصبحت هي ما يسمعه الفرد في أي مكان وفي كل مكان، ولا يوجد ما يسمي بالكبير والصغير الذي يحترمه ويوقره، ولهذا تغيرت العلاقة الأسرية، فالسرقة والخطف والتحرش والاغتصاب والرشوة والاختلاس لدرجة أن العام 2009 شهد أكبر عدد من المحكوم عليهم بالإعدام، فهل كل هذا لغياب دور تلك النخبة أم ماذا؟ لا شك أن كل العوامل تتشابك وتتكامل للوصول لهذه النتيجة المؤسفة، فدور الإعلام منتهي السوء بل قل إن الإعلام الآن يسهم بدور في قمة السلبية، ناهيك عن التعليم الذي فقد دوره الأساسي في عملية التربية التي عشناها في مدارسنا في زمن سابق، بالإضافة إلي مجموعة القيم والطموحات التي استحوذ عليها الجانب المادي الذي أسقط كل قيمة روحية أو أخلاقية. فالغاية تبرر الوسيلة واللي تغلب به ألعب به. ولهذا أصبح الدين والإيمان مظهر تدين شكلي يحافظ علي الشكل جدًا ولا علاقة له بالجوهر الحقيقي للإيمان بل قل إننا قد وصلنا إلي مرحلة المتاجرة بالأديان وعلي كل المستويات للأسف ومن خلال دغدغة عواطف الجماهير دينيا والسيطرة باسم الدين في الوقت الذي يتعامل فيه الجميع بعيدًا عن الدين، فماذا سيكون المجتمع بعد ذلك؟ وماذا ستكون شكل تلك النخبة علي كل مستوياتها؟ وأين دور المدرسة والمسجد والكنيسة والأسرة والإعلام والأحزاب؟ الكل لا يري سوي نفسه والجميع لا يهتم بغير مصلحته، ولكل ذلك يصبح من الطبيعي أن نسمع كل يوم أن مجلس الشعب وهو السلطة التشريعية تدار فيه المناقشات سواء في اللجان أو المجلس بطريقة سب الدين ويرقي فيه الحوار إلي مستوي التطاول بالأيدي ولا مانع من استخدام الأحذية، كل حسب مستواه، وفي هذا يتساوي الأعضاء مع الوزراء، ولا أحد أحسن من أحد، الأمر جد خطير والقضية ليست المحافظة علي الشكل ولكن العودة إلي المضمون إلي صحيح الدين وجوهر الإيمان إلي القيم والأخلاقيات إلي ثوابتنا وخصائصنا إلي قيمنا وأخلاقنا، فمن من أين نبدأ من أعلي أم من أسفل؟ لا نريد أن نسقط في تلك المعضلة اللانهائية، ولكن لتكن البداية علي كل المستويات فالكل مسئول والكل مدان والحل لا يكون بغير يد الجماعة حتي تصبح مصر لكل المصريين.