نستعيد في كتاب "مجموع أشعار الصعاليك في العصر الجاهلي" الصادر عن مكتبة الآداب لجامعها محمد فوزي حمزة أجواء عام 500 ميلادية، قبل البعثة النبوية بحوالي 80 عاما ، أما المكان ففي الجزيرة العربية في العصر الجاهلي، وهو ليس أول كتاب عن هذه الفئة التي تطبق أصول "الفتونة" في نموذجها الجاهلي، إلا أنه رغم ضآلة حجمه - 104 صفحات - يشتمل بحسب تأكيد المؤلف في المقدمة علي حصر كامل لأشعار الصعاليك حتي ولو كان بيتا واحدا، وقد اعتمد المؤلف علي مخطوطة "مجموع في علم البلاغة" لابن جني التي تستعرض ديوان الصعاليك.. عن وقائع السلب و السبي والاستعباد والقبائل المتناحرة، وعن الصعاليك قطّاع الطرق واللصوص والقتلة والمروّعين والمغيرين ومحترفي الخطف والسطو، يقف الكاتب موقف الضد من تمجيد الصعاليك وإنصافهم، كما جري في كتابات العرب ومفاخرهم، ويعارض دخول أدب وشعر الصعاليك ضمن ضروب أدب الأبطال أو الثوّار استنادا إلي نظرية "لصوص لكن شرفاء"، موضحا أنه إذا جرت العادة التماس الأعذار لحياة الصعلكة لأن أحوال أصاحبها فقيرة ماديا، وأنهم يسرقون ليطعموا الفقراء علي طريقة "روبن هود"، إلا أنهم "مراوغون" في نظر المؤلف، وأصحاب أعمال خسيسة، و"مشوّهون" يعانون نقائص إنسانية، والأهم من وجهة نظره أنهم فقراء الذمة والأخلاق، مدللا علي سذاجة الاعتقاد بأن صراع الصعالكة مع عُقًدهم النفسية نتيجة هوان أمرهم، هو النتيجة الطبيعية والتلقائية لما انتهوا إليه، بأن نفس هذا الصراع وتلك الظروف قد ولّدت من قبل "عنترة" وغيره من الفوارس.. "مهما ادعت الصعاليك، ومهما آمنت الناس ببطولة الصعاليك، فإن في سيرهم - التعيسة - كم من فقير سرقوه، وكم من عديم لم ينظروه حتي قتلوه"، بهذا المعني يتناول الكتاب قصائد مشاهير الصعاليك، التي تحاكوا فيها عن نباهتهم ومهاراتهم في النهب والجري والهرب، يتحدث عن أبو الصعاليك "عروة بن الورد العبسي"، الذي كان يخطف النساء وكان أزواجهن يخلّصوهن منه بالحيل، وعن الشنفري الأزدي المعروف، وهو شاعر جاهلي يماني صاحب قصيدة "لامية العرب" التي قيل أنها تعلم مكارم الأخلاق، وهو الذي قال: أنا السمع الأزل "أي الذئب" فلا أبالي ولو صَعُبت شناخيب العقاب"أي رؤس الجبال" ثم هناك الشاعر الصعلوك "تأبّط شرّا" الشهير، الذي يصف حريته في فعل ما شاء، بيوم يهز فيه "غصنا من البان أخضرا" ويوم آخر يهز فيه السيف في "جيد له نسوة لم تلق مثلي أنكرا". إلا أن الكاتب يعترف بوقوعه في "مأزق" مع أشعار الصعاليك، لأنها تحلّت بكل شيء يتحلي به الشعر الرصين إلا شرف الفكرة، ولهذا يقول: "صحيح أنهم فرادي من الناس اتسموا بسوء الخلق وفساد العادة وانحراف السلوك، لكن شعرهم يأسر العقول ويضارع أشعار الفحول"، ولاحظ هنا أنه استخدم تعبير يأسر العقول وليس القلوب، لأن القسوة والصرامة واللامبالاة والمفاخرة بإذلال الغير كانت أكثر موضوعات وأغراض قصائدهم، ثم كان التغني بأوصافهم مثل حدّة الطبع وجرأة القلب واحتدام الصدر والأنفة، وأخيرا يخبرنا المؤلف بوقائع طريفة تخص أشعار ما سُمّوا ب"الصعاليك الخلعاء" أي الذين خلعتهم عشيرتهم لكثرة ما جروا عليها من وبال.