أعرف أنني أسبب نوعًا من الصدمة لبعض القراء فيما أواصل (تقييم الموقف.. وقراءة الرؤي) حول إعلان كل من السيد عمرو موسي والدكتور محمد البرادعي لنيتهما غير الصريحة في الترشيح للانتخابات الرئاسية عام 1102.. ولكن هذه الصدمة لا تمنع النقاش. أي سياسي حين يقول رأيًا فإنه يفترض التصويت عليه.. سواء كان التصويت رسميا من خلال الآليات الانتخابية.. أو معنويا خلال الجدل حوله.. وصفة السياسي تتناقض تمامًا مع خصائص الشخصيات المقدسة.. ولا يمكن قبول طرح الأفكار دون نقاش.. إلا إذا كان طارح الرأي يريد أن يحتفظ به في صندوق مغلق، مثل تلك الصناديق لا تبني أممًا.. وهي كذلك لا تقدم سياسيين بالمعني المفهوم للكلمة. ومن المؤكد أنني أتلقي ردود أفعال مختلفة تحت ما أكتب هنا، سوف أعرض لها فيما بعد.. علي اعتبار أنني لا أريد أن أضع مقالاتي في صناديق مغلقة.. أو ثلاجات عرض مكتوب عليها (ممنوع اللمس أو الاقتراب).. غير أني بداية أريد أن أدقق بعض المعلومات التي أوردتها بالأمس تحت عنوان (الثأر الشخصي بين موسي والبرادعي قصة المرارة التي امتدت 35 عامًا). لقد تعرضت إلي قصة ترشيح البرادعي لمنصب مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية.. وموقف موسي منها.. وما يراه البرادعي موقفًا شخصيا اتخذته حكومة مصر حين رفضت ترشيحه ممثلاً لمصر عام 1997 .. والواجب أن أضيف ما يلي: 1 وفق ما قال لي السفير محمد شاكر المرشح المصري للمنصب الذي لم يفز به.. فإنه حاصل علي الدكتوراة في العلوم السياسية بدراسة حول معاهدة منع الانتشار النووي. 2 تقدم السفير شاكر بطلب متأخر نوعًا ما إلي وزارة الخارجية وقتها لكي يترشح للمنصب.. بعد البرادعي.. الذي من المدهش أنه طلب ترشيح مصر وتقدم بطلب قبل ذلك. 3 يفسر السفير شاكر تأخره بعض الوقت لأنه علم متأخرًا في حين أتاح وجود البرادعي في الوكالة الاطلاع المبكر علي أن هانز بليكس لن يكمل عمله كمدير للوكالة. 4 عرض الترشيحات علي لجنة في وزارة الخارجية.. هي التي قررت أن علي مصر أن تختار ترشيح شاكر.. لأنه الأقدر علي التعبير عن المصالح المصرية. 5 حين لم يتمكن شاكر من الحصول علي أكثر من 15 صوتًا في المرحلة الأولي للتصويت التي لم يفز فيها البرادعي أيضًا.. فإنه ترك الساحة للبرادعي.. لكن مصر لم ترشحه.. كما أنها لم تعمل ضده.. لأسباب ذكرتها بالأمس. 6 أضيف من جانبي أن الدبلوماسيين في وزارة الخارجية لهم تقسيمات كثيرة.. مدارس واتجاهات.. أحد التقسيمات يوزع الدبلوماسيين ما بين فريق عريض وغالب هو الذي يسمي فريق الشغيلة المثابرين.. أي الذين يواصلون العمل في الخارجية، الفريق الآخر هو الذي يستخدم الخارجية كمطية في الاتجاه إلي مناصب ومواقع خارج مصر.. وهو فريق ينتمي له البرادعي.. الذي وجد أن عليه أن يترك الوزارة بعد استقالة الوزير إسماعيل فهمي.. لأنه خلال وجوده كسكرتير خاص للوزير خلق لنفسه ضغائن رهيبة ممتدة الأثر مع عشرات من السفراء بما يعني أنه أدرك أن كل هؤلاء سوف ينالون منه بطريقة أو أخري لكي يردوا له ما فعل.. من موقعه إلي جانب الوزير الراحل. 7 اختارت مصر مرشحًا يخدمها وليس خادمًا لمصالحه الشخصية.. وغير مؤمن بمواقفها من موضوعات مثل معاهدة منع الانتشار ومعاهدة منع التجارب النووية واتفاقية حظر الأسلحة الكيماوية.. وغيرها من موضوعات يتخذ فيها البرادعي مواقف تناقض السياسة المصرية.. وعلي رأسها أنه يري ضرورة الوصول إلي السلام مع إسرائيل قبل الحديث عن سلاحها النووي.. لكن الأستاذ جميل مطر لم يطرح عليه تلك الأسئلة في حواره المطول معه في جريدة الشروق. وحتي لو كان هذا الكلام ينفي عن موسي اتهام البرادعي له بأنه قد اتخذ قرارًا شخصيا بترشيح السفير شاكر نكاية فيه.. أي في البرادعي.. فإن هذا لا ينفي أن أنتقل إلي نقطة أخري تتعلق بشرعية الكلام الذي قاله موسي نفسه في حواره مع جريدة المصري اليوم.. وهل هو من حقه أم لا؟ واقعيا ووظيفيا، وكما قال، فإن عمرو موسي حتي الآن هو الأمين العام لجامعة الدول العربية.. وهي وظيفة لها خصائص والتزامات محددة، لا تعطيه أي حق في أن يتكلم في الشئون الداخلية للدول علي الإطلاق.. كما أن كونه مصريا وصل إلي منصبه بترشيح مصري ودعم الدولة المصرية لا يعني أبدًا أنه يمكن لمصر أن تمارس عليه نفوذًا وهيمنة بحكم الجنسية.. أو أن تتدخل في مهمته أوتطلب منه باعتباره وزيرًا مصريا سابقًا أن يكون أداتها في إدارة شئون الجامعة. ومن ثم فإن ما قاله موسي في حواره باعتباره الأمين العام لجامعة الدول العربية يمثل تدخلاً في الشئون المصرية.. في النهاية مصر هي دولة عضو في الجامعة العربية.. وكما أنه ليس من حقه أن يتكلم في شئون إدارة الكويت.. أو قطر التي قال له رئيس وزرائها ذات مرة أنت مجرد موظف ندفع لك راتبك.. أو المغرب أو الجزائر.. أو أي دولة عربية.. فإنه ليس من حقه أن يتدخل في شئون مصر.. وقد كان هذا التدخل هو سبب تعنيف الرئيس أبومازن له في مكالمة تليفون شهيرة بعد أن علق موسي في تصريحاته علي موقف أبو مازن في تقرير جولدستون. لو أراد موسي أن يخوض غمار الجدل الداخلي في بلده فإن عليه أن يترك منصبه أولاً.. أو ينتظر إلي أن يأتي الوقت المناسب حين تنتهي مهمته الرسمية ليعود بعدها مواطنًا مصريا له كل الحقوق الدستورية في أن يقول رأيه في شئون بلده. كونه قدم نفسه في الحوار باعتباره (مواطنًا مصريا) مشغولاً بالهم العام لا ينفي عنه صفته كأمين عام لجامعة الدول العربية.. والحوار الذي جري معه كان يتم من داخل مكتبه في الجامعة.. وهو نفسه حين أدلي بتصريحات تالية قبل يوم حول موضوع الإجراءات الإنشائية التي تقوم بها مصر علي الحدود مع غزة قال إن (سيادة الدول أمر لا نقاش فيه).. لكنه قبل ذلك بثلاثة أيام كان قد تدخل في شئون دولة عضو في الجامعة.. هي مصر. بطرس غالي حين كان أمينًا عامًا للأمم المتحدة لم يعط لنفسه الحق في أن يتدخل في شئون مصر.. والتزم بواجبات موقعه.. ومصر كانت تستقبله كأمين عام للأمم المتحدة.. ولا تتراخي في ذلك باعتباره (أخونا وابننا ومننا وعلينا).. وهو مثلاً لم يطلب من الأممالمتحدة أن تعطي مصر ميزة تنموية في برامجها المختلفة لأنها بلد الأمين العام.. بل إن بعض المراقبين كان يري أنه لم يجامل مصر في عدد المناصب التي حصلت عليها في المنظمة الدولية خلال عمله.. رغم أنها خاضت من أجله معركة ضروس حين رفضت الولاياتالمتحدة أن تجدد له.. وحين زار القوات المصرية لحفظ السلام في سراييفو فإنه لم يفعل ذلك مجاملة لقوات من بلده.. وإنما لأن تلك مهمة تتبع المنظمة التي يديرها. وكورت فالدهايم، الأمين العام للأمم المتحدة بين عامي 1972 و1982 .. لم يكن يستخدم موقعه من أجل تحقيق طموحه التالي حين أصبح مستشارًا للنمسا في عام 1986 .. ولم يوظف منبره الدولي في عملية انتخابية داخلية.. والنمساويون لم يكونوا ليعطوه هذا الحق. الذي يريد أن يخوض غمار الداخل عليه أن يفعل ذلك في إطار شرعي.. وقد التزم البرادعي بهذا فلم يقل حرفًا في الشأن المصري إلا بعد أن ترك موقعه الدولي.. غير أن موسي ارتكب هذه الخطيئة.. وهي مسألة لا يمكن أن تفوت عليه.. إلا إذا كان مدفوعًا ومضطرًا لأن يفعل هذا.. كما قلت من قبل.. لقد كان يريد أن يقول للبرادعي إنه ليس وحده علي الساحة.. ما يعود بنا إلي قصة الثأر الشخصي بين الاثنين. وأواصل غدًا. الموقع الإليكتروني : www.abkamal.net البريد الإليكتروني : [email protected]